مكة المكرمة إذا طرق هذا الاسم مسمع المسلم في أقاصي الدنيا فإنه يخفق قلبه حبا لها، تطلعا لرؤيتها، الحرم الشريف يعني المنطقة المحيطة به آثارا ومآثر، تاريخا ومنازل. كل ما في مكةالمكرمة يتركز فيه تاريخ أمة يحكي مآثر، وأمجادا، يؤرخ لفترات مرت بها الأمة منذ عهد النبوة، والرسالة المحمدية إلى الوقت الحاضر. مكةالمكرمة مستودع تاريخ الأمة، الأمة الإسلامية قدر المولى جل وعلا أن سطر تاريخها، على أرض الواقع، ليس هذا فحسب، بل دون هذا التاريخ تدوينا علميا أمينا في الكتب بأقلام علماء أمناء، فقهاء ومحدثين، ومؤرخين صادقين مأمونين على دين الله، المعالم الطبيعة وشواهدها، وهادها، وجبالها، وديانها، وسهولها، وشعابها شواهد على أحداثها، تاريخ صادق. كل ما فيها، وعليها شاهد على أحداثها، وحوادثها، والبشر الذين عاشوا على ترابها الطاهر، تتفاضل أجزاؤها بما جرى عليها من أحداث تؤرخ لها ما دام الزمن. خلف السلف الصالح هذا التاريخ لتعيه الأجيال اللاحقة إنها أمانة جديرة بالمحافظة، والحرص على استمرار إشعاعاتها الروحية، إرث خالد جليل. تاريخ مكةالمكرمة مختلف تماما عن أي منطقة في العالم، في أهميتها القدسية، والتاريخية، كل جنباتها متعلق بتاريخ أمة، تتفح بشذا عبقها التاريخي القرون السالفة واللاحقة؛ إن تغيير معالمها، والمساس بها تغيير للتاريخ، ومساس بتاريخ أمة سجلت أحداثا تركت أصداء في جنبات الدنيا، تظل في ذاكرة الأمة ما بقي التاريخ. إن قراءة التاريخ المكي لهذه الأمكنة ينبغي أن يسبق أي تغيير على أرضها وحرمها المقدس، التي ستكون خير شاهد على ذلك. من المسلم به أن البلد الحرام يخلد اسم كل من أولاه اهتمامه، أيا كان مكانه منها فردا عاديا، أو واليا متنفذا، طوعا، أو كرها، ذاكرة التاريخ لا تنسى القديم، ولا تهمل الحديث، إن كثيرا من الأسماء التي غادر أصحابها هذه الدنيا لا تزال تذكر أسماؤهم بالكثير من الإجلال والإكبار، قد سجل لهم التاريخ المكي إعجابا وإكبارا يحمد أفعالهم، ويقدر السلف والخلف أعمالهم. اهتمام ملوك الدولة السعودية بالحرمين الشريفين يضعهم التاريخ في مقدمة من حسن صنعه، وتواترت حسناته، هم كالحلقة أولهم كآخرهم، وآخرهم كأولهم، فضلا وعناية بالحرم المكي الشريف. إن من طال به الزمن من أبناء هذه البلاد التي شهدت مظاهر الحب، والتفاني بخدمة الحرمين الشريفين لمس، ويلمس هذه العناية والرعاية غير المسبوقة بصدق في الأعمال الجليلة الملموسة، يلهج بالثناء والدعاء لهذه الأسرة الحاكمة أن يعز الله سلطانها، ويقوي أركانها. من أعظم الأدلة على هذا تشكيل اللجان المتخصصة التي تخدم البلدين المقدسين على مدار العام، والعلامة البارزة من بين هذه الأعمال الخالدة التي لا تجحد تأسيس هيئة خاصة بالعناية بالحرمين الشريفين (رئاسة الحرمين الشريفين)، واتصالها المباشر بالديوان الملكي، بعيدا عن التعقيدات الروتينية. رئاسة الحرمين الشريفين للمسجدين في مكةالمكرمة والمدينة النبوية المنورة عنوان بارز دائم لهذه العناية، والغاية النبيلة، تبذل هذه الإدارة من الجهد المشكور الشيء الكثير، خصوصا وقد تضاعفت مسؤولياتها؛ حيث السماح بفتح باب العمرة لأكثر شهور العام، وبالرغم من هذا فإنها تقوم بواجبها خير قيام، وفي كل مرحلة، وفترة زمنية تتدارك ما يتخلل عمل البشر من نقص، من أبرز هذه العناية حديثا ما حملته لنا الصحف من نبأ استبدال اسمي الملكين سعود وخالد رحمهما الله تعالى ببابي العمرة والفتح، وقد عبر الكاتب القدير الأستاذ الدكتور محمد معروف الشيباني في عموده اليومي بجريدة البلاد عن المشاعر العامة نحو تغيير اسم البابين واستبدال اسمي ملكين من ملوك آل سعود رحمهما الله باسميهما القديمين: العمرة، والفتح بما قل ودل أبرز فيه الحقيقة كاملة جاءت مقالته تعبيرا ناطقا حيا، عن مشاعر جماهير المسلمين في كلمته الجامعة، وذلك بعض قوله: «ويمكن تسميتهما من الآن على الخرائط المحددة ليس من الاحتمالات إسقاط اسمي، الفتح والعمرة لما لهما من دلالات عميقة في وجدان المسلمين، فالأول تعبير عن فتح مكة، والثاني عن شعيرة مستدامة طوال العام». هذه المشاعر الصادقة بكل ما حملته كلمته الجامعة لا ينقض الوفاء للملكين: سعود وخالد رحمهما الله تعالى، ولا لغيرهما من الأحياء والأموات، وفي نفس الوقت هذا التغيير تأباهما النفوس حفظا للتاريخ، وليس ثمة تعارض بين الحفاظ على التاريخ، والإشادة بالعاملين المخلصين لمن ألهمه الله الإخلاص، والوفاء الصادق الصحيح، وقد كان المسؤولون في السدة الملكية أسرع تجاوبا لهذا النبض الإسلامي، التاريخي فجزاهم الله خير الجزاء عن الأمة ليقظتها وعرفانها ما لهذه البلاد المقدسة من مكانة في نفس كل مسلم على وجه البسيطة.