قيل لأحد الحكماء: بم ينتقم الإنسان من عدوه..؟ قال: بإصلاح نفسه. هكذا جاء الرد الحكيم السابق على السؤال المطروح، ليجسد لنا خلاصة وافية شافية لقضية كبرى، شغلت الإنسان وما زالت تشغله على مر العصور، فما من أحد منا إلا وله أعداء، والعدواة لها مبررات كثيرة، قد يكون للمرء ذنب فيها، كأن يظلم أو يجور أو يعتدي على الآخر، فيخلق حالة من الكراهية والعداوة التي تدفع صاحبها للإعراب عنها قولا أو سلوكا، وقد لا يكون للمرء أي ذنب أو جريرة، نعم فكم من امرئ ناجح في عمله، مخلص في أداء واجبه، نقي في خلقه، يدفع الحاقدين لمناصبته العداء، لا لشيء سوى أنهم أي هؤلاء الحاقدون لا يحبون الناجحين المخلصين الأنقياء، وندرك هذا جيدا في سير الأنبياء الكرام الذين واجهتهم أقوامهم بالعداء اللفظي والفعلي، مع أنهم لم يأمروا إلا بكل معروف وخير، ولم ينهوا إلا عن كل منكر وشر. وقلما تنجو نفس بشرية عادية من الرغبة في الانتقام ممن اعتدى عليها، وتتعدد صور الانتقام، فقد تعادل فعل الأعداء، وقد تتجاوزها وتفوقها، وهكذا يستمر العداء بين الطرفين، وتلك طبيعة النفس البشرية التي تأبى العدوان عليها، وتلك أيضا سمة من سمات النفس الأمارة بالسوء، التي تستعذب العدوان على الآخرين، ولو تركنا لكل نفس وسمحنا لها بالعدوان على الآخر، وسمحنا لهذا الآخر بالرد على هذا العدوان دون ضوابط، فسنصل إلى حالة من الصراع الذي لا ينتهي، والذي قد يحول الحياة البشرية إلى ما يشبه الغابة. لكن حكيمنا الذي سقنا مقولته له وجهة نظر أخرى، فرد العدوان، أو الانتقام من المعتدي في رأيه إنما يكمن في إصلاح نفس المرء المعتدى عليها وذاته. فإذا كان ضعفي وهواني قد دفع من في قلبه مرض إلى العدوان علي، فإن تقويم هذا الضعف، ومحو هذا الهوان، سيردعه، وسيوقفه عند حده، ويجعله يفكر ألف مرة قبل أن تسول له نفسه بتكرار عدوانه، أو استمراريته في عدائه لي. وإن كان نجاحي وفلاحي قد أثارا حفيظة حاقد موتور، فعاداني دون ذنب سوى هذا النجاح والفلاح، فإن أشد انتقام منه يتمثل في إصلاح ذاتي لتحقيق المزيد من النجاح والفلاح، ليموت هذا المعتدي بغيظه. ولنا في كثير من الشواهد القرآنية ما يعزز، هذا الاتجاه، وما يعكس البعد القرآني في رد الحكيم على من سأله عن الانتقام من الأعداء. فقد أخبرنا المولى عز وجل بقوله: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فتغيير النفس ضرورة لتغيير سلوك الأفراد. والرد على من تجرأ علي ونال مني، قد يكون بنفس الفعل، لكن التحول عن هذه الصورة إلى النقيض لها، قد يكون أوفق وأبلغ: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، «ادفع بالتي هي أحسن السيئة»، والعفو والإصلاح والحسنى، كلها سلوكيات لا يمكن أن تتحقق في المرء إلا إذا غير من ذاته، وأصلح من نفسه، وقوم من أخلاقياته. لم يبق لنا إذن إلا أن نسترشد بكتاب الله، ونستأنس بأقوال الحكماء، ونسعى جاهدين بقدر الإمكان لإصلاح الذات، وتغيير النفس، ففيهما الخير كل الخير لنا، وفيهما أيضا يكون انتقامنا من أعدائنا، دون أن نقع في المحظور، ونظلم المعتدين رغم عداوتهم بالمغالاة في الانتقام، والله يحب المحسنين. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة