تشكل ذكريات الماضي هاجسا مستمرا لكل النساء في مجتمعنا وسط الفضول الدائم لدي الأزواج لاستنطاق زوجاتهم، عن ماذا فعلت في الماضي؟، من خلال مطاردتها بالأسئلة المستمرة فلربما تقع تلك الزوجة في أحد منعطفات تلك الأسئلة، ما يجعل بعض الزوجات في مأزق وحرج بالنطق بالحقيقة، «عكاظ» تطرح الموضوع على طاولة المختصين، للتعرف على العواقب النفسية والاجتماعية والشرعية التي يتسبب بها فتح صفحات الماضي، في سياق السطور التالية: أفصحت سلمى أنها فقدت زوجها بسبب حديثها عن ماضي مراهقتها «لم أكن أدرك أن تلك الكلمات ستكتب نهاية حياتي الزوجية، التي خرجت بصدق للتعبير عن حبي لابن عمي بعد سؤاله عن مرحلة المراهقة، ولم أكن أعي أن حب تلك المرحلة سيخلق كل تلك المشاكل التي بدأت بشك في تصرفاتي منذ تلك اللحظة وبالرغم من تأكيداتي بانتهاء تلك العلاقة بعد زواجي ولكنه كذب كل حديثي، حتى تحولت حياتي إلى جحيم، ورفضت الاستمرار بها». ورفضت هالة التحدث عن تلك المرحلة بقولها «المرأة ستكون الضحية في كل هذا، لأن الرجال يعتبرون أن المرأة التي يجب أن تحاسب دون الرجل، ومجتمعنا يرفض المرأة التي كانت على علاقة مع شاب، حتى وإن كانت علاقات بريئة يسودها الحب فقط»، واعتبرت أن الرجل يريد أن يكون الأول والأخير في حياة أية امرأة يقترن بها». واعتبر الإخصائي النفسي الدكتور مسفر القحطاني أن الحديث عن الماضي يشكل عواقب نفسية تؤثر سلبا على الحياة بين الزوجين، وتبدأ بالفضول وتنتهي بالمشاكل، وربما في بعض الحالات للطلاق، وتلك الذكريات تفتح باب الشك بينهم، «لا أنصح بتلك المكاشفات بين الأزواج لأن آثارها السلبية أكثر من الإيجابية، وتترتب عليها الكثير من المشاكل، فقد تظهر تلك الآثار عند حدوث أي مشكلة بينهما بمعيار الآخر بتلك العلاقة ومواقف وأقوال من أحد الزوجين أو عند القيام بأي سلوك عفوي يتصرفه الزوج أو الزوجة قد يحدث الشك في نفس الطرف الآخر». وتمنى القحطاني أن يترك ذلك الحديث عن الماضي ومعرفة مغامرات كل طرف للطرف الآخر، فالعقلاء يفضلون الابتعاد عن هذا النوع من الحديث، والخوض في حديث آخر بعيدا عن العلاقات السابقة قبل الزواج، فأغلب المشكلات قد تحدث نتيجة ذلك الحديث غير المجدي ولا طائل منه، فهو سلوك مشين قد يؤدي إلى البرود العاطفي وأثره النفسي سيكون سلبيا، فقد يزرع بذرة الشك في قلب الطرف الآخر مما ينعكس سلبا على حياتهما الزوجية. ويرجع القحطاني السبب إلى تقبل الماضي من رفضه إلى ثقافة الزوج والزوجة ومستواهما التعليمي وبيئتهما الأسرية ومفهومهما والتركيبة الانفعالية لهما وما يتركه الأثر النفسي لهما وإلى طبيعة الإنسان ذاته سواء الرجل أو المرأة، فهناك من لا يهتم لذلك الماضي ويسامح وهناك من يزرع بذور الشك فيه حين علمه بعلاقات شريكه السابقة. ويرى المستشار الأسري عبدالرحمن المحمدي أن هناك فرقا بين المصارحة وفضول الماضي، حيث المصارحة هي التي يتحدث فيها كل من الزوج والزوجة عن سلبيات الآخر وما يزعجه ليثمر ذلك بتحسين علاقته بالطرف الآخر، وأما فضول الماضي والنبش فيه فيوقع في تحقيق وأسئلة وقد ينتج عن ذلك متهم وحاكم وكل ذلك له نتائج سلبية ومشاكل زوجية وأسرية لها آثار سلبية كعدم الثقة بين الزوجين وكذلك اهتزاز المكانة في نظر الآخر وحتى لدى الأبناء قد تتشوه صورة القدوة لديهم من الأب أو الأم. ويضيف المحمدي أن المجتمع يلوم المرأة أكثر لأن طبيعتها الخلق فيها أساس، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم قال «تنكح المرأة لأربع لجمالها ولنسبها وحسبها ومالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، بينما للرجل قال صلى الله عليه وسلم «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» لم يركز على خلق المرأة لأنه أساس، حيث حياؤها وطبيعتها وتكوينها تمنعها من الخطأ، في حين أن الرجل لديه الجرأة وحياؤه أقل من المرأة وإقدامه وعدم الخوف يجعلان منه لدى المجتمع مسموح الخطأ، وكذلك خطأ المرأة في الماضي له أمور قد يترتب عليها شرف وعفة، وهذه الأمور لها اعتبارات في المجتمع الشرقي وفي الدين مما يردعها ويجعلها تفكر قبل ارتكاب الأخطاء، ويعتبر أن المرأة تسامح بطبيعتها وتكوينها أكثر من الرجل، في حين أن الرجل إذا أخذ انطباعا عن هذه العلاقة العاطفية لن ينساه بسهولة وقد تراوده بعض الأفكار بعودة تلك العلاقة. ويشير استاذ الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء الدكتور عبداللطيف بن إبراهيم الحسين إلى أن الشرع يرفض أن يسأل الرجل أو المرأة عن ماضي الآخر؛ لما يشكل ذلك من مشاكل ربما تؤدي لنهاية حياتهما الزوجية بعد أن يرفض أحدهما الآخر بعد سماعه لماضيه الذي ربما لا يحمل ما يسر الآخر. ودعا الحسين الأزواج إلى ترك مثل هذه الأحاديث التي لا تضيف أمورا إيجابية لحياتهم، بل تعقد حياتهم وتجعل العيش مستحيلا مع الآخر، وتمنى أن يهتموا بحياتهم وأطفالهم.