تعددت وسائل الاتصال اليوم وأصبحت في متناول الجميع، وتحول العالم إلى قرية صغيرة يمكن لأي منا أن يتجول فيه وقت ما يشاء، ومن تلك الوسائل غرف الدردشة التي ينغمس فيها الكثير من الأزواج والزوجات والتي تجعل أحدهم أو كليهم يتجه لتأسيس علاقة حميمة خارج إطار الأسرة، في ظل ضعف الوازع الديني وانعدام الخوف من الله، مما يجعل العلاقة بين الزوجين في طريق مسدود قد ينتهي إلى ما لا تحمد عقباه في حال انكشاف الأمر. «عكاظ» ناقشت القضية وحاولت تلمس أسباب حدوث هذه الحالات وأسباب علاجها وناقشتها مع جملة من المتخصصين والمهتمين في سياق التحقيق التالي: يؤكد الشاب نادر مغربي أن الإنترنت سلاح ذو حدين، جذب الكثير من المتجولين بداخله، والمساهمين في ترك آثارهم من مشاركات وكلمات وأفكار، هي في الأساس لا تعتمد في مجملها على أفكار سليمة أو حقائق موثقة، وأكثر ما يؤثر على هذا المجتمع العولمي تلك الثقافة والأفكار المستقاة من منتديات ومواقع وشبكات نتية أجنبية، والتي تؤثر على مجتمعاتنا بصورة سيئة جدا، خاصة أنها تخاطب الجميع بدون تحديد جنس أو فئة عمرية، وبذلك تتسبب تلك الأفكار المسمومة والمناظر المخلة بالآداب والأخلاق في ظهور جيل لا يعرف للعيب والعرف والعادات والتقاليد حدود، وكل ذلك وأكثر من التسيب وترك النفس دون مراقبة أو محاسبة، مما يقودنا إلى عالم من الضياع الخلقي، والشتات النفسي، والاندفاع وراء كل رغبة أو فضول مثل متابعة الشات أو المواقع المخلة، أو التي تنشر الفضائح من صور ومقاطع البلوتوث وغيرها، ساعد على ذلك ورعاه وجود الأسماء الوهمية واختلاط الجنسين بدون أي تحرج أو تردد. وتؤكد مسؤولة العلاقات العامة في جمعية الأمير ماجد الخيرية أروى زارع أن أغلبية الذين يقيمون علاقات تعارف بهذه الطريقة لا يعدونها خيانة أو أخطاء في حق الآخرين، ويراوغون في مسمياتها وأبعادها وبعضهم قد يضع لها الأهداف والفوائد من باب تهدئة النفوس والضمائر والاستمرار في ممارسة الرذيلة، ويجب علينا معالجة الظاهرة التي تفشت في المجتمع من قبل اجتماعيين ونفسيين، لنتمكن من الحد منها واستبدال هذه الأوقات المهدرة عند الأشخاص بأخرى مفيدة وتوعية المجتمع بأهمية ما وصلنا إليه من تكنولوجيا ومواكبة لعصر العولمة، ولكن بدون إساءة في استخدامها والعمل بها داخل إطار الشرع والعادات والتقاليد. الجوع العاطفي وترى المدير التنفيذي لمركز أودك لاستشارات وبرامج تمكين المرأة لبنى الغلاييني أن انجراف البعض وراء الإنترنت والتواصل الإلكتروني وبعض العوارض الجديدة التي تشغل اهتماماتهم هو نتيجة للضغوط النفسية واختلاف المفاهيم والمشاكل الحياتية التي يعانون منها، والأزواج الذين يلجأون إلى غرفهم الخاصة مع أشخاص آخرين يجدون عندهم الإشباع العاطفي الذي ينقصهم في علاقاتهم الزوجية، بقولها: «الزواج هو ارتباط شخصين مختلفين يفكران ويخططان ويتخذان قرارات مهمة لها علاقة مباشرة بمسيرة حياتهما ومستقبلهما معا، ولكن بطرق مختلفة، وهذا الاختلاف هو أساس أغلب المشاكل بين أي زوجين، حيث تتولد خلافات حادة بينهما وتستمر ما لم يعرفا ويتعلما كيف يحترمان اختلافاتهما ليحصلا على التوازن المطلوب والاستمرارية في العلاقة. وأضافت: «لو بحثنا عن الأسباب لهذا الأمر الذي يجعل أحد الطرفين ينصرف لعلاقة إلكترونية سنجد الجوع العاطفي الذي يشعر به الطرفان، دون التوقف عند العرض، وهو تنفيس الضيق والاختناق العاطفي الذي يمر به الرجل أو المرأة من خلال علاقة أخرى، اعتقادا بأن هذا الشخص مختلف، أو أن المشكلة في الشريك، أو استسهالا للجوء إلى هذا المنفذ عوضا عن مواجهة المشكلة الأساسية وحلها بالحوار والمصارحة»، ولكننا نجد الزوج الذكي والزوجة الذكية يتعاملان مع أي فتور وتوتر بحكمة وشجاعة، ويتساءلان مع أنفسهما: «هل هناك ما يمكنني القيام به لتحسين دوري في العلاقة وتطويرها نحو الأفضل». الطلاق غير المعلن وألمحت الغلاييني إلى أن هناك احتياجات لابد لكل طرف أن يعرفها عن الآخر، بقولها: «هناك احتياجات أساسية للجميع يمكن تلخيصها في الاحتياج للحب، من خلال أن المرأة بحاجة للرعاية والاهتمام، والمشاركة، والشريك الآخر (الرجل) يحتاج للثقة، وقبوله بشخصيته، والتشجيع، وإذا لم يكن هناك نوع من إفشاء الذات بين الطرفين وإيضاح الحاجات والمطالبة بضرورة إشباعها، فسيتم البحث عن منافذ إشباع أخرى لتعويض نقص الاحتياجات، كما أن عدم تحمل كل طرف في العلاقة لأداء مسؤولياته التي يتوقعها الطرف الآخر يعرض العلاقة الزوجية للكثير من الإحباطات». كما بينت أن العلاقة الزوجية بحاجة إلى مهارات كالتفهم والتقبل والتواصل، لأن الجهل الواضح بين الأزواج والمقبلين عليه ينتج عنه نشوء الكثير من المشاكل، والتي معها يبرر ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا بشكل كبير، أو ما يسمى الطلاق غير المعلن، وما يتبعه من إحباطات وانعكاسات على المجتمع ككل، وبناء على القاعدة الفقهية «ما لا يتم الواجب به فهو واجب»، كما شددت على ضرورة تظافر الجهود لإيجاد آليات مناسبة لبث وعي مجتمعي على أن يتحمل الفرد أولا وأخيرا، رجل وامرأة مسؤولية وعيه. خلل أسري وأشارت مقدمة البرامج في التلفزيون السعودي لينا الخطيب إلى أن الخلل في العلاقات الأسرية أساسه النقص في الحقوق والواجبات بين الأزواج والحل لا يكون إلا بالمواجهة الشجاعة والمصارحة تكون أفضل في هذه المواقف بقولها: «الرجل عندما يتبادر إلى ذهنه أن يتحدث مع امرأة خارج مؤسسة الزواج ويقيم معها علاقة عبر المنتديات الإلكترونية، غالبا أن هناك أمرا ما ينقص هذا الرجل في بيته والمرأة لا تقوم بكل واجباتها النفسية والاجتماعية والأسرية، لذلك هو طرق الأبواب خارج منزل الزوجية إن كان عبر الإنترنت أو العلاقات الشخصية الحميمة أو غيره، وأرى أن الرجل إذا لم يجد السعادة في منزله ومع زوجته فالأفضل له أن ينهي هذه العلاقة الزوجية ويبدأ بعلاقة أخرى وحياة جديدة». الزواج المبكر ويؤكد مدير مركز الطب النفسي الاستشاري الدكتور محمد الحامد، أن التواصل بين أفراد الجنسين عبر الشبكة العنكبوتية أصبح ظاهرة خطيرة ومنتشرة بين الشباب الذين ينظرون إليها كنوع من التطور واتباع الموضة، بقوله: «تكمن خطورة الأمر لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها حدوث حوارات خاصة بين الأطراف السالبة والموجبة دون وجود الرقابة المطلوبة، وأي علاقة تتكون بين شاب وفتاة في الظلام وخارج الإطارات الاجتماعية تؤدي إلى عواقب وخيمة، كما هو معروف من الانسياق وراء العواطف واللقاءات المحرمة واحتمال فقدان الفتاة لعفتها، وذلك لتميز سن الشباب بالاندفاع الغريزي خاصة في فترة المراهقة، فالحديث والتعارف لابد أن يتبعه اللقاء المحظور والعلاقات غير المشروعة التي تسوقهم إلى ارتكاب المحرمات والحمل الخطأ، كما حصل في حالات كثيرة كانت ضحايا لغرف المحادثة». وتحديدا للدوافع النفسية والمعوقات الاجتماعية التي ساهمت في الانفجار العاطفي للشباب من خلال النت يقول الحامد: «إن المؤثر الحقيقي في تفاقم المشكلة وفي مجتمعنا بشكل خاص هو وجود خلل واضح وكبير في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة وعدم كفاية أي من الطرفين لشريكه الآخر، وذلك نتيجة آليات الزواج الخاطئة والبالية التي تقدسها أغلبية الأسر السعودية التي تتمسك بموروثات وعادات اجتماعية غير صحيحة وتنافي تعاليم الإسلام، فتمنع النظرة الشرعية أو اللقاءات بعد عقد القران بين الأزواج حتى موعد الزفاف، وقد لا يرى الزوج زوجته أو العكس إلا ليلة الدخلة مما يؤدي إلى كارثة نفسية في أغلب الحالات، فيجب تجديد آليات الزواج التي تحدد بدورها شكل العلاقة بعد الزواج دون الحاجة إلى البحث عن البدائل والوسائل المنحرفة». عوائق اجتماعية ورأى الحامد أن الزواج التقليدي لم يعد مناسبا في زمن الانفتاح الإعلامي الذي نعيشه اليوم، بقوله: «لا بد من تحديد فترة للخطوبة تحت إشراف الأهل وبدون خلوة حتى يتمكن الطرفان من الحوار بشكل رسمي يفضي إلى الاقتناع التام بشريك الزوجية، حتى لا تتكون العلاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج، فالمجتمع يجب أن يعي تماما لهذه القضية ويتبناها». وأضاف: «من ضمن الدوافع المؤثرة على فئة الشباب مباشرة والتي يجب أن نعي إليها على مستوى المسؤولية قضية «تأخر الزواج» والفوائد التي تعود على أي مجتمع من الزواج المبكر، ولكن نحن للأسف وضعنا العراقيل لزواج الشباب والشابات، فالآن لا يستطيع أي شاب الإقدام على الزواج قبل سن الثلاثين، بعد أن ينتهي من سنوات الدراسة الجامعية ومن ثم يتجه للبحث عن الوظيفة الشحيحة في الوقت الحاضر، وبالتالي ينتظر حتى يقوي إمكانياته المادية كي يبددها في تكاليف الزواج الباهظة والمظاهر الاجتماعية، وخلال سنوات الانتظار هذه، يجب أن يحصن الشباب بالعفة والابتعاد عن مزالق الانحراف في وجود الدوافع الفطرية، فنحن كمصلحين اجتماعيين ننادي بالتبكير في الزواج الذي يتطلب من الدولة والمسؤولين تقليص سنوات الدراسة وحل مشاكل الشباب والبطالة وتوفير فرص عمل لتحسين أوضاعهم الاقتصادية وبالتالي مساعدتهم على الزواج وإكمال نصف دينهم». كما ناشد من أولياء الأمور بتخفيف تكاليف الزواج والمهور والمصروفات الاجتماعية الزائفة والزائدة عن الحاجة والتي أصبحت عادة للوجاهة والشكل الاجتماعي، «فيجب أن يضع الآباء والمسؤولين في المقام الأول مصلحة أبنائنا وبناتنا ومنعهم من الانحراف، فتتظافر الجهود لأنها قضية دولة وليست مسألة فردية، فعلى الجهات المسؤولة توفير سبل العيش السليمة المتوافقة مع الشريعة والفكر الإسلامي، ودراسة هذا الوضع بشكل مستفيض، والبحث في وسيلة لتبكير الزواج لشبابنا وعدم التأثر بالثقافة الغربية التي تختلف عنا في كافة المعايير الاجتماعية والتي يتأخر لديهم الزواج عادة والتي لا تناسبنا نحن كمجتمع إسلامي محافظ». متابعات