مشكلة الاتفاق على استخدام التقاويم تحتوي على العديد من الطرائف العلمية، والتاريخية، والحضارية وبعضها يسبب تحديات تلاحقنا إلى اليوم. بعض منها تسببها تقديرات دوران الأرض حول نفسها، وحول الشمس، ودوران القمر حول الأرض، وكثرة «الدوران في الدوران» يسبب «الدوخة». الشاهد أن معظم دول العالم الغربي كانت تسير على التقويم «الروماني» منذ 753 قبل الميلاد ثم التقويم «اليولياني» منذ 46 قبل الميلاد، ثم تم تغير تقويم معظم دول العالم الغربي في العام 1582 عندما أصدر البابا «جريجوري» الثالث عشر أوامره باعتماد التقويم الجريجوري الميلادي. وكان هذا التقويم أكثر دقة من التقويم السائد آنذاك. ولكن بعض الدول عارضت التغير وأهمها روسياوإنجلترا. وأخيرا وبعد 170 سنة اقتنعت إنجلترا واسكتلندا، وإيرلندا، وويلز بالتغيير، ففي عام 1752 تم تفعيل ذلك التقويم، ولكن المشكلة أن التاريخ كان قد تغير كالتالي: أصبح اليوم التالي لتاريخ 2 سبتمبر 1752 هو 14 سبتمبر 1752. يعني اختفى 11 يوم من التاريخ للبلدان المذكورة.يعنى لن تجد تلك الأيام في تاريخ البلدان المذكورة. طبعا ترتب على ذلك ضياع رواتب، وديون، وفواتير والعديد من المصالح الأخرى. ولو كانت المسألة مخططة بشكل أفضل، لما ضاعت مصالح العديد من المواطنين. أكيد أن هناك من قال «أخصرك منهم». مر بخاطري هذا الموضع في وسط الطريق بين جدة والرياض. وتحديدا فعلى ارتفاع 37 ألف قدم وبسرعة تبلغ حوالى تسعمائة كيلومتر في الساعة، تأملت في مقصورة ركاب طائرتنا البوينج 777. كانت هذه هي طائرتي المفضلة في جميع خصائصها شاملة راحة الركاب، إلى أن قرر البعض في إدارة الخطوط قبل فترة بتطبيق نظام «جديد» لركاب الدرجة السياحية الغلابى. كان ترتيب الجلوس في الدرجة السياحية هو 2+5+2 = 9 مقاعد يتخللها ممران عبر المقصورة. وكان ذلك الترتيب مريحا ويليق بمؤسسة تحمل اسم الوطن. وجاء قرار الإدارة لرفع كثافة الركاب بداخل الطائرة لتصبح 3+4+3 =10 مقاعد يتخللها ممران عبر المقصورة. يعني تم «حشر» مقعد إضافي في مقصورة ركاب الدرجة السياحية. ولتقف هنا لحظة للتأمل: عرض مقصورة الركاب لهذه الطائرة من طرازالبوينج 777 هو حوالى 5.86 متر .. ولنقارن هذا بطائرة البوينج الجامبو 747 الأكبر حجما والتي يبلغ عرض مقصورتها 6.1 متر: فستجد أن بداخلها 3+4+3 =10 مقاعد يتخللها ممران. يعنى نفس وضع البوينج 777 التي يقل عرض مقصورتها بمقدار 21 سنتيمترا وهو يعادل حوالى 61% من عرض الصفحة التي تقرؤها الآن. ويعادل أيضا حوالى 40% من عرض المقعد الواحد في الطائرة في الدرجة السياحية. أنا متأكد أن معظم إدارة الخطوط المسؤولين عن هذا القرار لا يسافرون على الدرجة السياحية أصلا، ولم يجربوا المقاعد غير المريحة على هذه الطائرة، وأنا متأكد أيضا أن أحد الردود على هذا المقال من قبل بعض مسؤولي الخطوط قد تكون «يا أخي أنت والركاب الذين يشتكون لا تتقنون ركوب الطائرة صح». وبما أنني تحدثت بلغة الأرقام فدعوني أضيف معلومة أخرى قد تفاجئ البعض، وهي أننا نكبر حجما. والمقصود هنا أن إحدى مكتسبات الحضارة في وطننا هي أن صحتنا أفضل من ذي قبل، وأن التطور في خيارات ونوعية الغذاء، والتحسن في المستوى الصحي العام سمح للأجيال الجديدة أن تكون في صحة أفضل وحجم أكبر من أجيال «أهل أول». أنا أطول من أبي رحمه الله، وأبنائي أطول مني، وأنا متأكد أنك لو قارنت طولك مع طول والدك، ومع أبنائك، فغالبا أنك ستجد نفس الأنماط عبر الأجيال. كيف نصغر المقاعد لشعب يكبر حجما؟. أمنية وهذا الموضوع يعكس اتجاه فكري يتطلب المزيد من الاحترام للجمهور. عندما اعتنقت أوروبا التقويم الجديد وخسرت أحد عشر يوما من تاريخها كانت هناك مصلحة عامة تحكم التحول، وتبرر الخسارة إلى حد ما. ولكن التحولات التي شهدناها في خطوطنا لم تكن مبررة بمصلحة عامة واضحة وصريحة. أتمنى أن لا تقودنا متطلبات الربحية إلى التقليل من شأن البشر فنحن في وطن الخير، ولا مكان لكلمة «أخصرك» لدى المسؤولين. والله من وراء القصد.