مازالت أحداث وتطورات ما يعرف ب «الربيع العربي» وربما ستظل لأمد طويل تتواصل، وتشغل، بالتالي، وسائل الإعلام العربية والعالمية، كما لم تشغل من قبل. فما حصل ويحصل اعتبر تطورات سياسية هائلة وغير مسبوقة، وشبهت بالتطورات والثورات السياسية الكبرى في التاريخ الإنسانى الحديث. وكما هو معروف، تجسدت هذه الأحداث في: قيام شعوب عربية عدة بالثورة على نظم جمهورية ديكتاتورية مستبدة، أرادت استعباد تلك الشعوب، وإطالة استحكامها في بلادها لأطول فترة ممكنة. ولأحداث الربيع العربي بالطبع عدة جوانب وأبعاد .. أهمها: أسباب ودوافع هذه التطورات، وأطرافها، ونتائجها وأبعادها السياسية، بالنسبة لكل المعنيين بالشأن العام العربي، واتجاهاتها المستقبلية... إلخ. ومن ذلك: موقف القوى الإقليمية الأهم تجاه هذه التطورات، وبخاصة موقف كل من: تركيا وإيران وإسرائيل. ونتطرق اليوم باختصار لموقف الكيان الصهيوني من هذا الربيع. * * * * إن الموقف الصهيوني هو بصفة عامة ضد ذلك الربيع.. خاصة إن نجح في: إزاحة رؤساء الجمهوريات الديكتاتوريين وأقام حكومات تمثيلية.. تلتزم بالقضايا المحلية والإقليمية من منطلق الحرص على المصالح القطرية والقومية العليا، وتقديمها على ما عداها، والعمل على تنمية بلدانها العربية، بما يجعلها أكثر قدرة على تحقيق الأهداف القطرية والعربية. وكل ذلك تحسبه إسرائيل ضدها، وضد سياساتها التوسعية والعدوانية المعروفة. وصدق من وصف «إسرائيل» فقال: إنها بالنسبة للعرب وبسياساتها المعروفة لا تعنى سوى الموت والتدمير.. ولذلك، بدأت إسرائيل (وأعوانها) في محاولات ضرب هذه الانتفاضات منذ اندلاعها وإجهاض إيجابياتها، وتعظيم ما لها من سلبيات. وبذلك تحسب إسرائيل (الرسمية) عدوا ل«الربيع العربي» طالما ستتمخض عنه نتائج إيجابية بالنسبة للأمة العربية. أما إن كانت سلبيات هذا الربيع أكثر، فإسرائيل معه، ومع تواصله. بمعنى: إن انتهت الثورات الشعبية بإقامة أنظمة بديلة في بعض الدول مشابهة لما كان قائما، رغم التكلفة الباهظة في الأرواح والممتلكات لهذه الثورات، فإن المحصلة النهائية للعرب، عندئذ، ستكون خسائر فادحة، دون مردود يذكر.. وذلك يصب بطبيعة الأمور في مصلحة إسرائيل.. أما إن انتهت لصالح الشعوب العربية، فستكون، غالبا، في طالح الكيان الصهيوني. * * * * وهناك قلة من النخبة الإسرائيلية ترى: أن «الربيع العربي» يجب أن ينجح في إقامة نظم ديمقراطية بديلة لما كان سائدا، باعتقاد أن هذه النظم ستنكفئ نحو الداخل، وتميل لإقامة سلام مع إسرائيل.. وهذه القلة تتجاهل عدوان وتعنت الحكومات الإسرائيلية، ومواقفها التعسفية تجاه إقامة سلام حقيقي، وحل عادل للصراع العربي الإسرائيلى.. ولعل موقف أمريكا وكبار حلفائها الغربيين تجاه هذه التطورات العربية الهائلة يشابه إلى حد معين موقف إسرائيل نحو ذلك الربيع، وإن كان الموقف الأمريكى مختلفا في بعض الجوانب، ويستحق وقفة أطول عنده.