«أبو عريش والفل» قصة تاريخ يمتد في عمق الزمان والمكان، فمنذ القدم ورائحة الفل تملأ الأزقة والبيوت، و«ردائم» الفل تحجز مساحة مقدرة من كل منزل، أما الصغيرات ناشرات الفل فيلهون أمام منازلهن ورؤوسهن مزينة بعقود الفل الجازاني وعبق عبيره الفواح يسامر الأرجاء، لتكتمل لوحة الحسن والإبداع. إلا أن هذه الصورة أضحت ضرباً من ماض عتيق حيث غابت هذه الروائح الآسرة برسم الإهمال، وذبلت نبتة الفل بين يدي المجهول. هذه الصورة جسدها العم أحمد كريري (63 عاما) الذي قال ل«عكاظ»: «نعم غابت الرائحة التي كانت تسري قديماً بين أحياء أبو عريش، وسر غيابها يكمن في عدة أسباب أهمها أن من تسلم زمام بيع هذه النبتة الطيبة الرائحة أناس لا يعرفون قيمتها، بل تعرضت للامتهان بين أيدهم فتجدهم يعرضونها للبيع في الطرقات وعلى الشوارع العامة تحت أشعة الشمس الحارقة.. فأي رائحة ستبقى فيها؟». ويتناول الحديث سالم عمر قائلا: «الفل نبتة تغنى بها العديد من الشعراء قديماً وكانت زهرتها ملهمة للكثيرين منهم، إلا أن الحال تبدل الآن، فما يعرضه مجهولو الهوية على الطرقات والأرصفة العامة مجرد عقود مرصوصة بطريقة عشوائية ذبلت بفعل الشمس والغبار وملامسة الأيدي المتعددة». وهنا يتدخل عبدالعزيز حسين موضحا أن زهرة الفل تحتاج إلى الكثير من الاهتمام والرعاية فهي حساسة لدرجة كبيرة، وهي تذبل خلال 24 ساعة في الظروف العادية، أما بوضعها الحالي فإن ساعة واحدة كافية للقضاء عليها. وتساءل: لماذا لا يخصص لهذه النبتة مكان ثابت في سوق أبو عريش أسوة بأشجار الكادي والشيح والواله والبعيثران ويتم وضع حاويات نظامية خاصة بها. من جانبه يقول سامي إبراهيم: من يبيعونها على الشوارع والأرصفة من مجهولي الهوية الذين يفتقدون لأي قيود صحية، وبالتالي فمن يشتري منهم يعرض نفسه وأهل بيته وأطفاله إلى خطر نقل العديد من الأمراض، وأنا هنا أطالب بتوعية الناس إلى هكذا أمر. ويضيف فؤاد ناصر: بمجرد دخولك إلى أحد شوارع سوق أبو عريش تفاجأ بالعمالة السائبة تزحم المكان، والبعض منهم يركض خلف السيارات لمساومة الزبون معرضين أنفسهم للخطر، ناهيك عن مضايقة المارة والمتسوقين والمتسوقات. ويؤكد كل من خالد الحكمي، محمد شريف، وحسين كريري على ضرورة توعية المواطنين بعدم الشراء بهذه الطريقة غير النظامية، مؤملين في قيام بلدية أبو عريش بتخصيص مكان يخضع للشروط الصحية والسليمة لإعادة هذه النبتة إلى سابق عهدها وتحقيق متطلبات السلامة والصحة العامة. وردا على هذه المطالب قال رئيس بلدية أبو عريش المهندس حسن بن علي آل هتيلة: نحن الآن بصدد اختيار موقع مناسب وتخصيصه لسوق بيع الفل تحت إشراف البلدية في المنطقة المخصصة بالأسواق على طريق أحد المسارحة.