استغرب عضو مجلس الشورى وعضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور حاتم العوني الشريف الاقاويل التي تتردد عن التحريم المطلق لتهنئة الكفار بأعيادهم الدينية، مؤكدا أنها دعوى مستغربة، لعدم ورود نص فيها يلزم التسليم له حتى لو لم نعرف علته. وأشار إلى أنه لم يرد في القرآن ولا جاء في السنة دليل خاص يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية، مما يدل على أن الإجماع المنقول إذا تحقق، فلا بد أن يكون مستندا إلى أصول شرعية عامة وقواعد يقينية معلومة، وليس حكما تعبديا لا نعرف له علة ولا حكمة. وأضاف «لذلك فإني استغرب ممن يدعي الإجماع على تحريم مطلق التهنئة ولو بلفظ لا يدل على الرضا بالدين، بل ربما كان صريحا بعدم الرضا، كأن يهنئه المسلم شفاهة أو برسالة أو ببطاقة معايدة يكتب فيها: كل عام وأنت بخير، وكم أتمنى أن تنعم بالإسلام ورحمته، مبينا أن هذه العبارة ونحوها لاتحمل إيهام الرضا عن الدين». وعاد الشريف مستغربا ممن يدعي تحقق الإجماع السكوتي في مسألة لا نص فيها كما سبق، ويستغرب ممن لا يقبل قول العالم إلا بدليل، ويعد اجتهاده من غير استدلال اجتهادا مرفوضا، ثم هو نفسه يقبل منه ما هو أشد من مجرد الاجتهاد بغير استدلال، وهو أن يزعم الإجماع. ولفت إلى أن هذا العالم الذي يدعي الإجماع حتى يصبح اجتهاده ليس فقط مقبولا بغير استدلال، بل يصبح اجتهادا لا تجوز مخالفته، وبغير استدلال أيضا؛ إلا من دعواه الإجماع. وتساءل الشريف كيف يكون اجتهاد العالم مردودا بغير استدلال، في حين أنه هو نفسه سيكون اجتهاده مقبولا وواجبا بل سيكون ملزما غيره مع أنه مازال اجتهادا بغير استدلال أيضا، إلا من دعواه الإجماع. وشدد الشريف على أن تحقيق الإجماع وإثبات حصوله كما أنه سياج مهم يحمي الشريعة من تطاول شطحات الاجتهاد، خاصة عند شيوع الجهل واتخاذ الرؤوس الجهلاء، إلا أن السماح لدعاواه التي لا دليل عليها، يفتح مجال التشريع بما لم يأذن به الله، ويضيف إلى مصادر التشريع مصدرا لا علاقة له بالوحي ولا بمصادر التشريع المجمع عليها؛ إلا من دعوى عدم العلم بالمخالف، حتى في الأمر الذي ليس فيه نص، ولا هو مما يستحيل عادة عدم نقل خلافه لو وقع، ولا توجب غلبة الظن نقله في أقل تقدير. المتعصبون للتحريم وطالب الشريف المتعصبين للتحريم في مسألة حكم تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية أن يذكر له سلفهم عليه من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى ننظر هل هناك قول صحيح ومشتهر لهم في المسألة، مع عدم العلم بمخالفهم ؟ وتحدى الشريف بأنه لا يوجد نص صريح في الكتاب والسنة يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم، متساءلا هل هناك آثار عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم تدل على تحريم هذه التهنئة (لا على حضور الأعياد وشهودها، فهذه مسألة غير مسألة التهنئة)، تدل على شهرة هذه المسألة بينهم، مما يصح بعد عدم وجود المخالف أن ندعي الإجماع عليها. ورأى الشريف أن المطالبة بإيجاد نص عن السلف بالإباحة مع عدم وجود نص عنهم على التحريم، فهو جهل بطرائق الاستدلال؛ لأن على مدعي الإجماع البينة على دعواه، وإلا فستكون دعواه باطلة، وترجع المسألة بعد بطلان الإجماع إلى النصوص العامة وأصول الشريعة لاستخراج حكمها منها. ونبه الشريف إلى أنه لو كان هناك من حرم التهنئة من السلف، فمجرد الوجود لا يدل على حصول الإجماع؛ فإن عدم العلم بوجود من أباحها لا يدل على عدم وجوده في الواقع (عدم العلم لا يدل على العدم)، خاصة في مثل هذه المسألة، التي تفتقر للنقل فيها لمن قال بالتحريم من السلف، والذي لا بد أن يكون نقلا يدل على شهرة هذا القول بينهم، حتى يمكن الاستدلال بعدم وجود المخالف على عدم وجوده، ظنا غالبا أو يقينا. مبينا أن للإجماع السكوتي شرطا لصحة الاحتجاج به، وهو غير متوفر في هذه المسألة ! إضافة لضعف النقل فيها في جانب التحريم الذي تدعي عليه الإجماع. كلام ابن القيم وعن كلام ابن القيم الذي جعله المتعصبون للتحريم دليلا لتعصبهم (لا لترجيحهم) فهو قوله في كتابه (أحكام أهل الذمة) فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة، ومنعها أخرى. والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة، ولا فرق بينهما. ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك. إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام، وأعزك به، ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة. والتهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. لكن كثيرا ممن لا قدر للدين عنده، يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، مبينا أنه من هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه «انتهى كلامه رحمه الله». وأشار الشريف إلى أن هذا الكلام صحيح لا إشكال فيه، لمن وفقه الله في فهمه، وإن كان ظاهر كلامه (رحمه الله) يدل على تحريم مطلق التهنة بالعيد الديني، ولعل هذا الظاهر ناشئ عن عدم استحضاره لصيغة تهنئة لا تدل على الرضا عن الدين وإقراره. وقفات ثلاث وأبان عضو مجلس الشورى أنه لفهم كلامه ومنطلقاته ثلاث وقفات: الأولى: تنبه لتفريق ابن القيم بين اللفظ الدال على الرضا بالدين والدال على عدم الرضا، وتفصيله بناء عليه حكم المسألة في التهنئة بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، مما يدل على صحة هذا الأصل في حكم تهنئة الكفار، وأنه ليس تفصيلا مبتدعا ولا مبتورا عن أصول الدين. ولفت إلى أن الوقفة الثانية هي تنبه إلى أن ابن القيم لما نقل الاتفاق على تحريم التهنئة بأعياد الكفار الدينية علل ذلك بأنه يدل على التهنئة على الكفر، ومعنى ذلك أن هذا هو سبب التحريم عنده، فهو يحرمه لأنه تهنئة بالكفر، لا لشيء آخر. موضحا أن الحق في هذا التعليل حتى لو لم يذكره ابن القيم للزم أن نذكره نحن دليلا لصحة قوله؛ لأنه لا دليل على التحريم سواه أصلا، كما سبق!. مؤكدا أنه لا يقول قائل إن قول المسلم للكافر في عيده الديني: «أسعدك الله ومتعك بالعافية وهداك للتصديق بالإسلام الذي لا يقبل الله دينا سواه» أنه تهنئة فيه بالكفر، أو يدل على الرضا عن دينه؛ كيف وهو يصرح له بعدم رضاه عن دينه، ولا يقول عاقل أيضا: إن هذه العبارات ليست تهنئة، فقد قال ابن القيم (الذي احتجوا بكلامه على مطلق التحريم) «إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة». وأشار إلى أن الوقفة الثالثة هي تعليل ابن القيم بذلك التعليل يجعل التهنئة التي لا تدل على الرضا بالدين غير داخلة أصلا في كلامه، ولا فيما نقل الإجماع عليه. عبارات التهنئة وأضاف الشريف «أن النقاش بعد هذا التقرير حول عبارات التهنئة: هل يمكن أن لا تدل على الرضا عن الدين والتهنئة بالكفر ؟ أم لا يمكن فيها ذلك؟ فإن أمكن، بنحو العبارات السابقة من التهنئة بالأمور المشتركة، بل المضموم إليها دعوته للإسلام، يكون ادعاء استحالة وجود تهنئة للكفار بأعيادهم لا تتضمن الرضا عن دينهم ادعاء باطلا مخالفا للواقع، وهذا هو الواقع». ونبه الشريف في ختام تأصيله إلى أنه رغم ضابطه في جواز التهنئة، بأن لا تدل على الرضا بالدين، فإن النصارى وغيرهم كثيرا ما كانوا وما زالوا يهنئون المسلمين بأعيادهم الدينية (في الفطر والأضحى)، بمثل عبارة (كل عام وأنتم بخير) وغيرها، ومع ذلك فلم يفهم المسلمون أنهم راضون عن ديننا، ولا أنهم تنازلوا عن دينهم. متساءلا لماذا يكون المسلم خاصة إذا هنأهم (وبذلك الشرط) سيكون خطرا عليه في التخلي عن دينه، أو سيفهم منه أنه راض عن دين الكافر؟!، مؤكدا على أن تمسك عموم المسلمين بدينهم أقوى وأظهر وأرسخ في حياتهم من تمسك النصارى بدينهم، مشددا على أن ديننا حق ودينهم باطل، فكان يجب أن يكون الإيهام عند النصارى أكبر، وتخوفهم على أنفسهم أشد !!. وخلص الشريف إلى أن الواقع أنه ليس هناك إيهام، ولم تكن معايدة الشخص منهم سببا لتخليه عن دينه، ولا يفهم الناس من نحو هذه التهنئة إلا أنها تهنئة مجاملة وتلطف فقط. وأبان عضو مجلس الشورى أن الأصل في حكم التعامل مع الكافر غير المعتدي هو الإحسان، كما في قوله تعالى{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، موضحا أن البر هو الإحسان، والقسط هو العدل.