منذ العام 2008 والأزمات المالية والاقتصادية تضرب العالم من كل جانب. أخطار مُحدقة تُهدد الاستقرار وتؤثر سلبا على النمو العالمي. خطر الكساد بات مُسيطرا على الدول الصناعية، التي يمكن اعتبارها القائد الأكبر للاقتصاديات العالمية؛ وعلى رأسها الاقتصاديات الناشئة. ما زالت القطاعات المصرفية تعاني من آثار الزلزال المالي المدمر الذي عصف بها العام 2008؛ تشافيها المُصطنع لم يستطع الصمود أمام متغيرات العام 2011 وأزمة الديون السيادية. خفض تصنيف أكبر البنوك الأميركية والأوربية يعني أنها لم تستطع حتى الآن تجاوز محنتها الأولى؛ ويعني أيضا ارتفاع المخاطر لديها، وضعف السيولة، وإمكانية تعرضها للإفلاس مستقبلا؛ مالم تحصل على خطط الإنق اذ الحكومية المُعينة لها على الصمود وتجاوز المحنة؛ وهو أمر أستبعد حدوثه لعظم الأزمة وتشعبها. الدول الناشئة أبرز المتضررين كانت الدول الناشئة؛ وما زالت؛ ضمن أكبر المتضررين من تداعيات الأزمات الأوربية والأميركية. ارتباط الاقتصاد السعودي مباشرة بالعالم جعله أكثر عرضة لتداعيات الأزمات التي لم يسلم منها أحد على الإطلاق. برغم مشكلات الديون السيادية نجد أن المملكة تحقق فائضا ماليا في موازناتها السنوية، وفائضا في ميزان المدفوعات وهذا يساعد كثيرا في بناء الاحتياطيات المالية التي ستكون، بتوفيق الله، عونا لها في مواجهة متغيرات الظروف. السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتحفظة نسبيا، والتخطيط السليم ساعد في تخفيف تداعيات الأزمات العالمية محليا. قوة الاقتصاد السعودي ومتانته، وإرتفاع معدلات النمو فيه، وملاءة الدولة المالية، وتمتعها باحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، وقوة القطاع المصرفي وملاءته المتميزة وكفاءة الرقابة على البنوك، ساعد، بفضل الله وبركته، على حماية الاقتصاد المحلي؛ والقطاع المصرفي من آثار الأزمات العالمية المدمرة. قرارات الدعم الحكومية، والإنفاق التوسعي، والتركيز على مشروعات التنمية ساعد كثيرا في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في وقت تعاني فيه أكثر اقتصاديات العالم من الكساد، والنمو السلبي. مُنذ الأزمة الاقتصادية العالمية العام 2008 وحتى اليوم أنفقت الدولة ما يقرب من 2.5 تريليون ريال؛ ذلك الإنفاق التوسعي ساعد في تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والديون السيادية؛ على الاقتصاد الوطني. يُعتبر القطاع المصرفي القلب النابض للاقتصاد الوطني، والشرايين التي تتدفق فيها السيولة الداعمة المُحركة للاقتصاد، ومن هنا فالارتباط الوثيق بين موازنة الدولة، وفوائضها المالية، والقطاع المصرفي ساعد في دعم القطاع، ومساعدته على تحقيق النمو والربحية، إضافة إلى إسهاماته في دعم التنمية من خلال التوسع في إقراض قطاع الشركات والأفراد. الإشراف والرقابة كلمة السر إضافة إلى ذلك؛ فإجراءات الحماية الرسمية، وأسلوب إدارة القطاع المصرفي، ونوعية الإشراف والرقابة، أثمرت عن حماية المصارف السعودية مما تعرضت له القطاعات المصرفية العالمية. القطاع المصرفي، نجح في تجاوز مراحل الخطر، وأثبت قدرة فائقة في الثبات أمام التداعيات العالمية. ونشير إلى أن الإدارة الفاعلة، والرقابة الصارمة قد لا تعني شيئا مع عدم توفر السيولة الكافية لمواجهة المتغيرات العالمية، ودعم القطاع المصرفي، وتوفير الإمكانيات المادية لحمايته ودعمه من الداخل؛ الإدارة المالية الحكيمة لموازنة الدولة، والاحتفاظ باحتياطيات كافية لمواجهة الأزمة، وقدرة الحكومة على التعامل مع الأزمات العالمية التي قد تهدد اقتصادها؛ وقطاعها المصرفي بالخطر، ساعد ولا شك في توفير عوامل الدعم الأولى التي أسهمت في حماية القطاع المصرفي، والاقتصاد من تداعيات الأزمات الاقتصادية المالية العالمية، وعلى رأسها أزمة الديون السيادية، التي ما زالت قائمة حتى اليوم؛ بل ربما كانت أشد وطأة على الاقتصاديات العالمية من أزمة العام 2008. نجاحات محلية في مواجهة فشل خارجي رغم تعثر بعض البنوك العالمية، ومواجهة بعضها لمصاعب متنوعة؛ نجد أن القطاع المصرفي السعودي يحقق نجاحات كبيرة، والتزام تام بالمعايير العالمية؛ ومساهمة فاعلة في دعم الاقتصاد، والمساهمة في ضمان دوران عجلة التنمية في الداخل برغم الأزمات العالمية. نجح القطاع المصرفي السعودي في تحقيق متطلبات بازل 3 قبل موعد التطبيق النهائي، وهذا يحسب لمؤسسة النقد العربي السعودي التي انتهجت مبدأ العمل الاستباقي لحماية قطاعها المصرفي من الداخل، ولتنفيذ المعايير العالمية التي تُعطي الدولة وقطاعها المصرفي تقييما مُتقدما، وتكسبهما ثقة العالم. صندوق النقد الدولي ذكر أن الجهاز المصرفي السعودي أظهر قدرة على مواجهة الصدمات الإقليمية؛ وهذه شهادة دولية لم يكن القطاع المصرفي السعودي ليحصل عليها لولا تميزه مقارنة بالقطاعت المصرفية العالمية التي تأثرت كثيرا بسبب الأزمات، وضعف الرقابة، وتحملها مخاطر غير محسبوقة. بُعيد الأزمة الاقتصادية العالمية ظهرت مؤشرات الديون المتعثرة في القطاع المصرفي لأسباب مرتبطة بعلاقات العملاء بالخارج، والتي أثرت في قدرتهم على الوفاء؛ إدارة مؤسسة النقد للأزمة، ومعالجتها مشكلة الديون المتعثرة، وفرضها على القطاع المصرفي أخذ مخصصات مالية لمواجهة الديون المتعثرة تفوق ما نسبته 100 في المائة ساعد على حفظ استقرار القطاع، وتوفير أعلى مُعدلات الأمان له؛ ما يستوجب توضيحه في هذا الجانب أن القطاع المصرفي لم يكن ليستطيع توفير المخصصات المالية الضخمة لو لم ينجح في تحقيق الأرباح التشغيلية التي أعانته على ترتيب وضعه من الداخل؛ أرباح القطاع المصرفي كانت على علاقة مباشرة بموازنات الدولة وحجم الإنفاق العام الذي ضمن استمرار دوران عجلة الاقتصاد، وأبعده عن شبح الكساد، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا الله أولا، ثم حجم إيرادات الموازنة، والاحتياطيات، والإدارة الحكيمة للشأن المالي والنقدي. التطور الكبير في الموازنات السعودية، وحجم الإنفاق الحكومي، إضافة إلى قرارات الدعم المباشرة تصب دائما في مصلحة القطاع المصرفي؛ المستفيد الأكبر من تدفقات السيولة محليا؛ وهو ما يعطي القطاع مساحة أكبر للتوسع في الإقراض عطفا على السيولة الداخلة، وتحقيق الربحية الداعمة لقطاعات الاقتصاد بشكل عام. متانة القطاع المصرفي مستمدة من متانة الدولة، وقوتها، وملاءتها المالية؛ لذا يصعب الفصل بين القطاع المصرفي من جهة ومؤسسة النقد العربي السعودي؛ الجهة الإشرافية الحكومية؛ من جهة أخرى. فالعلاقة تتجاوز الإشراف والرقابة إلى توفير الضمانات الحكومية لاستقرار القطاع، وعدم تعرضه للتداعيات السلبية، وضمان الودائع؛ وهو ما حمل بعض الهيئات الدولية على التأكيد بقوة ومتانة القطاع المصرفي السعودي المُرتبطة بقوة الدولة وملاءتها. موازنة العام الحالي، والأعوام الماضية تُثبت بأن السعودية تجاوزت بفضل الله جميع الأزمات العالمية، ونجحت في تدعيم اقتصادها الوطني؛ و قطاعها المصرفي وتقويته من الداخل، وحمايته من الأخطار؛ واستطاعت أن تبني لها احتياطيات كافية تعينها، بعد الله، في مواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية، وتدعم قطاعها المصرفي، وتُهيئ له سُبل الاستقرار والنمو والحماية الشاملة. ولعلي أشير إلى الجهود المتميزة، والعمل الاحترافي الذي قام به الدكتور محمد الجاسر؛ محافظ مؤسسة النقد السابق؛ ووزير الاقتصاد والتخطيط الحالي؛ وفريق العمل في المؤسسة؛ الذين كان لهم دور فاعل في حماية القطاع المصرفي من الأزمات المالية العالمية المدمرة التي بدأت العام 2008 وما زالت هزاتها الترددية تضرب في كل اتجاه؛ من خلال الرقابة الصارمة، الإشراف، الدعم، والتوجيه.