•• لم يكن اللقاء عادياً بين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة وتجار جدة.. وإنما كان لقاء «محبة» و«شفافية» و«وضوح» غير مسبوق.. فقد عبر الأمير عن عتبه على التجار لعدم مشاركتهم في مشروع التخلص من العشوائيات بحجة أن الدخول فيه لا يحقق لهم أرباحاً مجزية بالرغم من أن العمل في هذا الاتجاه يندرج تحت قائمة المساهمات الوطنية النابهة، فيما اعترف بعض التجار بذلك وإن برروا ذلك بأنهم يملكون وجهة نظر في الطريقة التي تشكلت بها «شركة تطوير مشاريع جدة» الحكومية .. بحكم تبعيتها للأمانة.. وقال التجار للأمير إنهم كانوا يتمنون أن تكون الشركة تابعة للقطاع الخاص وتعمل بمعايير تجارية واقتصادية بحتة.. ليأتي رد الأمير عليهم في جلسة المحبة هذه قائلا: «من هي الدولة.. إذا لم تكن هي نحن جميعاً تجاراً.. ومسؤولين ومواطنين؟»، ولم يكتف الأمير بذلك بل قال بشفافيته المعروفة «إن شركة تطوير جدة أنشئت قبل مجيئي إليكم.. وبمعرفتكم منذ بدأت فكرة من قبل أمين جدة السابق المهندس عادل فقيه.. وزير العمل الحالي.. وحتى أصبحت حقيقة ملموسة ولم نسمع لكم رأياً فيها من قبل..». وتلفت التجار لبعضهم البعض وكأن الأمير قد قذف الكرة في مرماهم.. لكنهم ما لبثوا أن تحدث أحدهم إلى الأمير عن فكرة صندوق اجتماعي وخيري سبق لهم أن اقترحوه ولم ير النور إلى الآن في ظل ما وصفوه بالبيروقراطية المستحكمة.. إلا أن الأمير أكد لهم أنه مع أي مشروع كهذا.. وأنه سيولي الموضوع ما يستحقه من الاهتمام.. •• ورغم وجود أمين جدة على مقربة من الأمير إلا أن أحد رجال الأعمال وصف الأمانة بأنها تعطل مصالح الناس وتؤخر أعمالهم ولا تنجز ما هو مطلوب منها بالسرعة والاتقان الكافيين.. ولم ينف الأمير ذلك.. بل على العكس من ذلك فقد رد بقوله «إن هناك خللا كبيرا في أعمال الأمانة.. ولولا ذلك لما صدرت التوجيهات السامية بإعادة هيكلتها». وتوقع الأمير أن يتحقق ذلك في وقت قريب مما أعطى الحضور انطباعاً بأن الأمانة توشك أن تشهد تغييراً كبيراً فيها. •• ولم يكتف التجار بانتهاز فرصة هذا اللقاء دون أن يطالب أحدهم.. بعقد أحد منتديات مؤسسة الفكر العربي في مدينة جدة.. باعتبار أن الأمير هو صاحب الفكرة .. وموجه بوصلتها في الاتجاه الذي جعل من المؤسسة ملمحاً حضارياً.. وفكرياً.. وإنسانياً بارزاً..؟! وقد بدا الأمير وكأنه مع مبدأ القبول بالتجاوب مع هذه الرغبة.. وإن أوضح بأن ملتقيات المؤسسة تتم في الدول التي توجه لها الدعوة فتستجيب لأن المشروع لكل العرب ويجسد فكر الأمة جمعاء.. •• وحتى مطالبة أحد التجار لسمو الأمير خالد الفيصل بتوسيع دائرة مشاركة المرأة وإخراجها من عزلتها الحالية.. وطرحه فكرة ضمها إلى عضوية مجلس المنطقة لاسيما بعد أن أصبحت «عضواً» في مجلس الشورى.. حيث ابتسم الأمير من أعماقه موضحا أن هذا الأمر تحدده الدولة ولا تقرره مجالس المناطق.. وإن كان هو شخصياً مع كل خطوة تدعم فكرة توسيع مشاركتها في خدمة هذا الوطن بما لا يتعارض مع شريعة الله.. وإن بدا الكثيرون من الحضور متعاطفين مع الفكرة ومتمنين أن تتحقق قريباً أيضاً.. •• الأمير في هذا اللقاء الجميل رد على مقترح أحد رجال الأعمال بدفع المواطن ريالا واحدا لحساب صندوق توجه إيراداته السنوية التي تفوق المليار ريال لإنجاز مشاريع خدمية أو إنسانية.. رد قائلا: إنه مع أي عمل يجسد مساهمة المواطن في بناء بلده.. لكنه تبين بأنه ليس من سياسة الدولة أن تفرض على المواطن ذلك.. وإن كانت تشجع كل عمل يخدم البلد ويرسخ مبدأ مشاركة المواطن في كل عمل تضامني.. وخيري.. •• وبقدر ما كان الأمير صريحاً وشفافاً ولاذعاً أيضاً بقدر ما كان حريصاً على التأكيد على التشاور مع التجار في كل ما يهم مدينة جدة.. بل ذهب إلى ما هو أبعد عندما قال لهم أيضاً.. «كما أنني أسعد بتوجيهكم أيضاً».. وهي عبارة مؤثرة.. تجسد تواضعه وتبسطه في الحديث بأريحية متناهية متجاوباً أيضاً مع دعوتهم لسموه بتكرار اللقاء بهم في «مقعد التجار» عدة مرات في العام.. وأنه ذكر بأنه حريص على استمرارية اللقاء بهم مرة كل شهر في منزله.. في إطار لقاءاته الأسبوعية بكافة فئات المجتمع.. من المثقفين والإعلاميين والعلماء والمشايخ.. وكذلك الشباب أيضاً.. •• وبلغت الجلسة مداها من التبسيط الجميل مجسدة سرعة بديهة الأمير عندما طالبت الدكتورة «عائشة نتو» وهي من أبرز سيدات الأعمال بجدة بأن يخصص الأمير يوماً سابعاً للالتقاء بالنساء في مجلسه.. عندها رد عليها باسماً: ولكن اليوم السابع يوم جمعة يا سيدتي.. وضحك الجميع» وانفض اللقاء الممتع.. بالتفاف الجميع حول خالد الفيصل.. وودعوه بحرارة ومودة.