(تمر المنطقة العربية وخصوصا الشرق الأوسط في مرحلة تحول سياسي واجتماعي تتطلب مستوى عاليا من التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي لدعم الأمن والاستقرار الخليجي، وهنا تكمن أهمية القمة الخليجية المقبلة، إذ تستدعي هذه الظروف رؤية خليجية متطابقة حيال كل ما يجري في بحر الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار أكد عدد من أعضاء مجلس الشورى والمتخصصين والخبراء في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية على أهمية انعقاد هذه القمة، لما لها من دور في ترتيب البيت الداخلي الخليجي. وبينوا في ندوة نظمتها «عكاظ» أن قمة الخليج تشكل حجر الزاوية لإرساء الأمن على ضوء تغير الخارطة السياسية في المنطقة، مؤكدا على ضرورة أن تتخذ القمة قرارات فعالة لمواجهة ما تتعرض له المنطقة من تهديدات وتدخلات إقيلمية.. فإلى تفاصيل الندوة: • «عكاظ» سألت المتخصصين والخبراء عن قضايا سياسية عدة، مثل الملف النووي الإيراني، الثورات العربية، الوضع السياسي السوري واليمني، وكيف يمكن أن يتعامل معها الشورى، وكيف ستتعامل معها قمة الرياض الخليجية؟ الدكتور عبدالله العسكر: بالنسبة إلى مجلس الشورى، ينطلق في تعامله مع قضايا السياسية الخارجية من مواقف الحكومة ورؤى أعضائه الذين يمثلون شرائح اجتماعية وثقافية مختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس التعاون، ذلك أن المجلس مظلة إقليمية لدول الخليج، وفي رأيي أن كلا المجلسين يسعيان أن تكون نظرتهما تجاه قضايا سياسية كبيرة مثل قضية الملف النووي الإيراني، أن تكون نظرة مجمع عليها، وبالتالي يمكن القول إن مجلس التعاون يرى في قضية الملف النووي الإيراني ما تراه الدول الأعضاء في المجلس. أما بشأن الثورات العربية فإن هذه المسألة يتضح لنا أن رأيا تتبناه معظم دول الخليج هو ما يؤكد على حرية الشعوب، وحتمية الإصلاح، وضد العنف الذي تمارسه الحكومات ضد شعوبها أو الذي تقوم به الشعوب ضد الحكومات العربية، لهذا فإن مجلس الشورى مثله مثل أي مجلس نيابي ضمن منظومة مجلس التعاون يتبنى الأفكار الرئيسة، دون الدخول في التفصيلات. وحول الوضع في سورية واليمن تعاملت المجالس النيابية الخليجية من وحي نبض الشارع السوري واليمني، ومجلس الشورى السعودي بارك المبادرة الخليجية المتعلقة باليمن ثم المبادرة العربية التي تخص سورية. وأعضاء مجلس الشورى يرون أن تلك المبادرتين هي بمثابة خريطة الطريق التي تصلح لتكون مقدمة سليمة لحل المشكلتين في اليمن وسورية، وحقن الدماء ووقف العنف والبدء في إصلاحات حقيقية. أما الدكتور فهد العنزي يقول: لا شك أن تطوير إيران لقدراتها النووية هو أمر مقلق للجميع، ومع التأكيد على حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، إلا أن الواضح للجميع هو أن هناك مؤشرات قوية جدا من أن إيران تسعى لتطوير ترسانة حربية نووية ذات بعد عسكري، يضاف إلى ذلك التصريحات العدائية للمسؤولين الإيرانيين تجاه بعض دول الخليج، وإيران لا تخفي كذلك طموحاتها الإقليمية، وهذا من شأنه أن يجعل الملف الإيراني حاضرا وبقوة على طاولة أعمال قمة الرياض الخليجية. والمخاوف التي تنتاب دول مجلس التعاون لها ما يبررها وذلك بحكم موقعها الإقليمي وقربها من جارتها إيران. ولهذا فإن مجلس الشورى هو داعم رئيس لأية جهود تهدف إلى إبعاد المنطقة من أي خطر نووي محتمل، وهو يميل إلى دعم الجهود الدبلوماسية لحل الإشكالية المترتبة على هذا الملف، بل ودعم أن تكون منطقة الشرق الأوسط وليست منطقة الخليج فقط منطقة منزوعة من السلاح النووي، وبالنسبة للخيارات الأخرى المطروحة وأهمها الخيار العسكري، فهي خيارات تتبناها وتلوح بها قوى دولية أخرى. أما فيما يتعلق بالملف اليمني أخذ أولوية بالنسبة للمجلس أكثر من الملف السوري، وذلك لعدة أسباب منها أن الأوضاع في اليمن تفجرت قبل حصول السخونة التي نلمسها في الملف السوري، وثانيها أن اليمن أقرب للمجلس ولمؤسساته ولدول المجلس من سورية، وكلنا يدرك حجم الجهد الذي بذله المجلس ممثلا في أمينه العام للتوقيع على المبادرة الخليجية التي تهدف إلى نقل السلطة بشكل سلمي، وبالنسبة لموقف المجلس من الأحداث في سورية فهو واضح ولكنه لم يرد أن يتجاوز دور جامعة الدول العربية. لكن للدكتور نواف الفغم الخبير في الشأن الأمني وجهة نظر جديرة بالاهتمام، إذ يقول: على مجلس التعاون العمل على امتلاك قدرات نووية سلمية إذا إيران سمحت لها دول العالم بامتلاك سلاح نووي أو الحصول على ما يوازيها من أسلحة لأن إيران تحكمها النزعة العدوانية. • «عكاظ»: ماذا عن المحور الأمني لدول الخليج ودورها في محاربة الإرهاب والفكر الضال، وتبادل المعلومات الأمنية كيف ستعمل هذه العوامل في زيادة لحمة دول المنطقة؟ الدكتور فهد العسكر الخبير في الشأن السياسي: تسعى دول المجلس منفردة ومجتمعة إلى محاربة الإرهاب ومعالجة الفكر المتشدد في الخطابين الديني والثقافي، وناقش مجلس الشورى عدة تقارير تعالج هذين الملفين وأصدر بشأنهما ما يتسق مع جهود دول مجلس التعاون الخليجي والجهود الدولية. الدكتور عبدالله الفيفي الخبير في الشأن الاجتماعي والثقافي: لا بد أن نفرق بين (الأيديولوجيا) بمعناها السياسي، والنافي للآخر، الساعي لإكراهه على الاستسلام لأفكار نمطية، وبين شمولية الإسلام للحياة تحت ضابط «لا إكراه في الدين»، وهذا الخلط في المفاهيم قد يستهدف خلطا في الرسالة الإسلامية، بذريعة «الأيديولوجيا»، أو «الإسلام السياسي»، أو «الشمولية»، ونحوها من المصطلحات التي صارت اليوم تحمل دلالات سلبية وذكريات سيئة بين الناس، وتبعث على تصنيفات غير عادلة. «تعزيز العمل الخليجي المشترك أولوية» الدكتور نواف الفغم: إن الاستمرار في تعزيز العمل المشترك الخليجي هو النهج الذي يجب أن يستمر. وبشأن الاضطرابات التي وقعت في مملكة البحرين نتمنى عدم تكرارها وهناك دعم خبيث خارجي يريد أن يقسم أهل البحرين إلى طائفتين. وهذا الملف سيكون من أهم الملفات والتي ستناقش في قمة الرياض المقبلة، وأما فيما يتعلق بتبادل المعلومات الأمنية فإن إنشاء المملكة مركز تنسيق العمل لمكافحة الارهاب سيكون له دور فاعل في ذلك. الدكتور فهد العنزي الخبير في الشأن القانوني والاقتصادي: إن لدول المجلس وعلى رأسها المملكة مواقف رائدة في الحرب على الإرهاب واستئصاله بكافة أشكاله وصوره، والمجلس ذهب أكثر من ذلك فقد دعا أكثر من مرة المجتمع الدولي إلى تفعيل القرارات ذات الصلة بمحاربة الإرهاب، ومكافحته وكذلك تفعيل ما تنادي به دول المجلس بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب لتبادل المعلومات والخبرات، وتنسيقها بين الدول، لرصد ومراقبة تحركات المنظمات والعناصر الإرهابية وإحباط مخططاتها. وأود القول إن أمن دول الخليج واحد لا يتجزأ، وهناك تنسيق أمني كبير بين دول مجلس التعاون. • العملة الخليجية الواحدة، تحديد السياسة النفطية وقمة الرياض؟ الدكتور فهد العنزي يرى أن حسم مسألة البنك المركزي الخليجي هو موضوع يسبق مشروع انطلاق العملة الخليجية الموحدة، وبالرغم من أن الجدول الزمني المبني على اتفاق بين الدول الأربع، وهي: المملكة، الكويت، البحرين، وقطر لإطلاق العملة الخليجية الموحدة قد تجاوزناه الآن فإن إصرار دول المجلس على تبني عملة موحدة لها ومسألة البنك المركزي ستكون حاضرة وبقوة على جدول أعمال القمة، فالجميع يدرك أهمية البنك المركزي الخليجي وأهمية وجود هذه العملة والأمور الباقية هي مسائل تفصيلية سيتم إنهاؤها قريبا، وهناك الاستراتيجية البترولية لدول مجلس التعاون المعتمدة منذ عام 1988 من قادة دول المجلس، والتي تراعي البعد الداخلي والخارجي للعلاقات البترولية والبعد التنموي كذلك لدول المجلس. أما الدكتور عبدالله العسكر يعتقد أن السعي نحو إقرار العملة الخليجية وإصدارها توقف في الآونة الأخيرة، نظرا للصعوبات ووجهات النظر المختلفة. أما بخصوص السياسة النفطية الخليجية تكاد تكون متطابقة دون السعي لمناقشة هذه المسألة، وسبب ذلك أن سياسة دول الخليج النفطية تنطلق من أمور جيوسياسية وثقافية، وهذه تكاد هي الأخرى أن تكون متطابقة في كل دول مجلس التعاون الخليجي. الدكتور نواف الفغم: أتمنى من دول الخليج الاستفادة من السلاح النفطي واستعماله في ازدهار اقتصادها وحماية مقدراتها بعقلانية، وأتمنى أيضا أن تحدد السياسة النفطية في هذا الاجتماع أو الاستمرار في تشكلها وإعادة صياغة سياساتها في ظل الظروف الراهنة الأخيرة أو التي نحن بصدد تغيرها. البعد الاجتماعي بين شعوب دول الخليج • «عكاظ»: ما هو مدى حضور الأبعاد الاجتماعية بين شعوب الخليج كقضية للنقاش على طاولة القمة؟ الدكتور فهد العنزي: شعب الخليج هو شعب ذو نسيج اجتماعي واحد وبينهم علاقات قربى ومصاهرة، وهناك تنظيمات خاصة تعامل الخليجيين وفقا لهذا المنظور، ولدينا على سبيل المثال في مجلس الشورى مشروع نظام لزواج السعوديين بغير السعوديات والسعوديات بغير السعوديين، ونحن ننظر في مجلس الشورى بأن زواج السعوديين من مواطنات خليجيات أو زواج السعوديات بمواطنين من دول الخليج لا يحتاج إلى تصريح وهذا تكريس لمفهوم الوحدة والتجانس بين مواطني دول مجلس التعاون، وقضايا المعاقين هي جزء من قضايا التنمية وقضايا الأسرة والطفولة والمواطنة في مجلس التعاون الخليجي، وهناك بالمجلس لجنة تنسيقية لذوي الاحتياجات الخاصة تتابع الجهود وتبحث مدى التنسيق والتعاون بين الدول الأعضاء في هذا المجال، وتضع البرامج الخاصة بدعم حقوق وأنشطة ذوي الاحتياجات الخاصة بدول المجلس، ونحن نأمل بوجود تشريعات واتفاقيات ترسخ حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وتوحد فيما بينها وتعمل على إيجاد رؤية واضحة بشأن قضاياهم واحتياجاتهم المختلفة. الدكتور نواف الفغم: هناك مشروع نظام لزواج السعوديين والسعوديات من الخارج روعي فيها الكثير من تذليل الصعاب للزواج بين أبناء الخليج وقد رفع قبل فترة وجيزة إلى المقام السامي، المعاقين هم شريحة مهمة جدا على قلوبنا ويجب وجوبا أخذ ذلك في كل ما يصدر من أنظمه وتشريعات لخدمتهم ليس منة من أحد بل هو دين وحق مكتسب. الدكتور فهد العسكر: لم اطلع على مشكلات نشأت نتيجة للزيجات المتداخلة بين أبناء دول الخليج وبناتها، الأسر الخليجية ممتدة ومتداخلة، ولا يمكن الفصل بينها، ولا يوجد تشريع خليجي يقول بهذا. ولحسن الحظ فقد اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي خطوات متشابهة ووقعت على الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمعاقين.