سعادة رئيس تحرير صحيفة عكاظ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اطلعنا على المقال المنشور في صحيفتكم للكاتب الدكتور عبدالله يحيى بخاري في العدد الصادر في 26/12/1432ه، تحت عنوان «ملتقى التراث العمراني.. سبع نجوم»، والذي ارتأى خلاله أن ملتقى التراث العمراني الوطني الأول والذي عقد بمدينة جدة ارتكز على «عدد من الخطب والكلمات الرنانة واللقاءات العابرة التي تشبه حفلات التعارف دون استراتيجية واضحة»، مبديا دهشته من انعقاد الملتقى في أحد الفنادق الكبرى بجدة وإقامة الفعاليات في أحد الأسواق التجارية بها!. ولأهمية إيضاح الجوانب كاملة التي تعرض لها الدكتور كونها تمس قضية تقع في صلب مصلحة الوطن وعمل الدولة واهتمامات الهيئة العامة للسياحة والآثار، يطيب لي إيضاح ما تناوله؛ وذلك نيابة عن الهيئة وشركائها الذين عملوا معها منذ تأسيسها ومن أهمهم وزارة الداخلية ووزارة الشؤون البلدية والقروية وإمارات المناطق وأصحاب القرار في مختلف الجهات الحكومية وحتى المواطنين في المدن والقرى الذين أسهموا في بناء هذه البرامج وتفاعلوا مع برامج الهيئة لإعادة الاعتبار للتراث الوطني. وعليه نود توضيح الآتي: أولا: ذكر الكاتب أنه خلال الأيام الثلاثة لانعقاد الملتقى «ألقيت بعض الخطب والكلمات، وفي موقع عرض صور فوتوغرافية ورسومات وبعض الأعمال الحرفية واليدوية...»، ونرى أن ما ذكره الكاتب تبسيط مخالف للواقع تماما، إذ اشتمل الملتقى على عدد من الجلسات العلمية وحلقات النقاش والأوراق المقدمة التي تصب في كيفية المحافظة على هذا التراث وتطويره واستثماره، حيث تناولت الجلسات عددا من المحاور الأصيلة والهامة في هذه المجالات وغيرها التي تعنى بالتراث العمراني والتوعية والمشاركة الاجتماعية والتمويل في المشروعات الخاصة به، كما تمحورت حلقات النقاش حول دور الشركاء في مجال تطوير التراث العمراني وتسجيل جدة التاريخية وتنمية وتطوير القرى والبلدات التراثية وتجارب شركات المقاولات والمكاتب الهندسية في التراث العمراني، فيما تركزت ورش العمل مع الغرفة التجارية بجدة على الاستثمار في مجال التراث العمراني وآليات تمويل المشاريع والتجارب الناجحة في مجال الاستثمار في المواقع التراثية، وكان جل من غطوا هذه الموضوعات المتخصصة هم من أبناء هذا الوطن المتخصصين والحريصين على شؤونه، والمعلومات الموثقة منشورة في وسائل الإعلام وعلى موقع المؤتمر بشكل واضح. ثانيا: ذكر الكاتب أنه «لا يجب أن تقتصر الاحتفالات لإحياء التراث على مجرد لقاءات عابرة تشبه حفلات التعارف والعلاقات العامة»، وحقيقة يؤسفنا أن يطرح الدكتور الموضوع بهذه الشكل الذي لا يمت للواقع بصلة بتاتا، فما تقوم به الهيئة وشركاؤها من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمواطنين في أرجاء بلادنا المترامية الذين يعملون طوال السنوات الماضية للانتقال بتراثنا العمراني الوطني إلى مكانه الجدير به، هو في الحقيقة ليس بعمل العلاقات العامة وحفلات التعارف، مع أهمية هذه الفعاليات لكل مبادرة وطنية، ولو كلف سعادة الدكتور نفسه عناء التواصل مع الهيئة أو أي من منسوبيها، أو طلب معلومات أو تكرم بطلب الكتب والوثائق التي وزعت في الملتقى لاتضح له أن القضية ليست علاقات عامة أو تعارف كما ذكر. ثالثا: نستغرب ما ورد في المقال من المطالبة بوجوب إتباع «استراتيجية عامة واضحة الوسائل والأهداف ضمن فترات زمنية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى» في التعامل مع التراث، ومن المستغرب حقا أن سعادة الدكتور وهو عضو مجلس الشورى الموقر والمهتم بالتراث، ومع ما يصله من الهيئة مباشرة من معلومات، وما تم نشره في وسائل الإعلام ومواقع الهيئة وما يصدر عن رئيسها ومنسوبيها من تصريحات، أنه لا يعلم أن الهيئة تعمل ومنذ تأسيسها في إطار خطط واضحة ومسارات استراتيجية معلنة ومقررة على أعلى المستويات، ويشارك في إعدادها وصياغتها جميع ذوي الشأن بالمملكة، وهذا من بديهيات العمل المؤسسي المنظم لأي مؤسسة محترمة. ونظرا لتوسع أعمال الهيئة وشركائها وتعدد المسارات المتعلقة بالتراث العمراني بما يتطلب إيجاد مسار إداري وتنظيمي متخصص يشرف على التحولات الكبيرة والنقلات المأمولة التي تشهدها بلادنا في هذا المجال؛ فقد أسست الهيئة هذا العام مركزا متخصصا في التراث العمراني، هو مركز التراث العمراني الوطني، تشرف عليه لجنة عليا مكونة من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وعدد من المهتمين، بهدف المحافظة على التراث العمراني وتطويره واستثماره بما لا يفقده أصالته وتأثيره في تأكيد الهوية الوطنية بشكل عام وبناء شخصية المدينة السعودية في الوقت الحاضر والمستقبل. رابعا: أشار الدكتور إلى دهشته من «إقامة الملتقى في فندق سبع نجوم ما يظهر تناقضا بين الحدث وبين مكان تنظيمه مرتئيا أفضلية إقامته في قلب مدينة جدة التاريخية»، ونحن إذ نقدر هذا الرأي، ولكننا لا نتفق مع هذا الطرح للموضوع. فالملتقى فعالية كبيرة تم تنفيذها في عدد من المواقع ومنها أحد الفنادق التي توفر جميع متطلبات هذا النوع من الفعاليات المهنية، وسعادته يعلم أن جدة التاريخية التي طالب يوما ما بإزالتها والإبقاء على نماذج من مبانيها غير مؤهلة حاليا لاستقبال جلسات ملتقى بهذا الحجم أو ورش عمل أو الحضور الكثيف من الجمهور والمهتمين والطلاب والمهنيين الذين بادروا بالتسجيل لحضور الملتقى وتفاعلوا مع جلساته وحلقات النقاش بشكل لم يكن متوقعا، ولكم تمنينا لو قام الكاتب بالتسجيل والحضور أو اتصل بنا لتوجيه الدعوة لمقامه ضيفا عزيزا حتى تعم الفائدة أو توظف المناسبة لما يخدم الوطن والمواطن وهو هدف الملتقى أساسا، علما بأن الفعاليات التي استضافتها مواقع أخرى مثل جامعة الملك عبدالعزيز ضمن برنامج الملتقى قد استقطبت 1620 مشاركا من طلاب وطالبات الجامعة، وأعضاء هيئة التدريس في عدد من الجامعات والكليات، كما حضر في لقاءات المستثمرين في مقر الغرفة التجارية الصناعية بجدة 185 مشاركا في مقر الغرفة التجارية، و852 في المنطقة التاريخية، إضافة إلى ما يفوق 1200 مشارك في جلسات الملتقى في فندق هيلتون جدة. كما نتمنى إن شاء الله أن توفق الجهود لتحويل مواقع التراث العمراني إلى مواقع حية قادرة على احتضان المؤتمرات والملتقيات من هذا النوع، وهو ما نعمل عليه الآن ونثق بأننا سنراه في بلادنا قريبا إن شاء الله، ونؤكد للدكتور أيضا اعتزازنا بما تم إنشاؤه في بلادنا من فنادق مميزة لديها قدرات كبيرة لاحتضان المؤتمرات، مؤكدين استمرار الهيئة في الاستفادة من هذه الإمكانات الكبيرة لمنظومة الفنادق الوطنية في جميع مناسباتها وفعالياتها، وما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة التي تمتلك مواقع تراثية مطورة وإمكانات أكبر مما تمتلكه المملكة في الوقت الحاضر، كما نود توضيح أنه ليس هناك فنادق سبعة نجوم في المملكة كما ورد في المقال. خامسا: ذكر الكاتب أن مما أثار دهشته «أن معرض اللقاء عن التراث العمراني كان مقره أحد مراكز التسوق»، وهذا الطرح من رجل متعلم يقلل من قيمة الفعاليات التي تم تنظيمها في أحد أكبر الأسواق التجارية في جدة، ونؤكد لسعادته أن تنظيم فعاليات ترتبط بالتراث العمراني وعلى شكل تفاعلي مع الأسرة والأطفال بالذات هي مبادرة غير مسبوقة قامت بها الهيئة للوصول بقضية التراث العمراني لاهتمام المواطن والأسرة والطفل في المواقع التي يرتادونها، وهذا أمر في صلب استراتيجية الهيئة سعيا لتغيير الصورة النمطية حول التراث العمراني بأنه آيل للسقوط لا دور له في حياتنا أو اقتصادنا وأنه مسؤولية البلديات والجهات الحكومية، ونحن نعمل للوصول للفئات التي لا تتابع وسائل الإعلام المتخصصة أو تهتم أساسا بالموضوع، وتواجدنا في الأسواق التي يؤمها المواطنون هو جزء هام من خطة الوصول إلى المواطن، لا أن نقف في موقعنا ليصل إلينا، ومع النجاح الواسع الذي لاقته هذه الفعاليات وشهد به كل من حضر الموقع أو تابع الفعاليات في وسائل الإعلام، حيث بلغ زوار الفعاليات التراثية في مركز التسوق أكثر من 91 ألف زائر حسب إحصاءات مركز ماس، لذا فإن الهيئة قررت الاستمرار في ذلك الأمر إن شاء الله والتوسع فيه، فإن لم يلمس الطفل والمواطن الطين والحجر ولم يستمتع بالعمل مع البنائين الذين لا يملكون الشهادات العليا ولكن يتمتعون بالمهنية والحكمة والقيم فإننا نسهم في حرمان هذه الأجيال من تعلم أهمية تراثنا الوطني وأنه جزء من المستقبل وليس الماضي فقط. سادسا: أبدى الكاتب دهشته من أن «غالبية المدعوين لا علاقة لهم البتة بالتراث العمراني أو المعماري لمنطقة مكة أو أي من مناطق المملكة كما تناسى دعوة الملتقى عددا من المخضرمين في مجال التراث العمراني من الأساتذة السعوديين، بعضهم كتب رسائل دكتوراه وماجستير عن عمارة وعمران بعض المدن السعودية أو عن تاريخ العمارة في بعض مناطق المملكة. هل نطبق هنا المثل القائل «لا كرامة لنبي في وطنه؟»، ونحن نؤكد تماما عدم صحة ما ذهب إليه لدكتور، فقد شهد الملتقى دعوة أكثر من 1026 من كبار الشخصيات والمستثمرين والمهتمين بالتراث العمراني بالمملكة إضافة إلى 40 حرفيا و243 إعلاميا و85 من رؤساء البلديات لحضور حفل الافتتاح وفعاليات ومحاضرات الملتقى إلى جانب جميع أعضاء الجمعية السعودية للمهندسين وأعضاء الجمعية السعودية لعلوم العمران وكافة أعضاء غرفة جدة وعدد من المنتديات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالملتقى، ومجموعات الشباب الذين تفاعلوا بشكل كبير مع الملتقى من خلال حضور الجلسات حتى اكتظت بهم قاعات الفندق، وفيما يخص أنه (لا كرامة لنبي في وطنه) فنؤكد أن الهيئة لا تعمل منذ تأسيسها إلا مع المواطنين وهي عرفت أنها لصيقة بهم وجميع برامجها يشارك بها المواطنون، وجميع منسوبيها من المواطنين أساسا. سابعا: ذكر الدكتور أن جدة هي «الشاهد الوحيد» الحي للتراث الحضاري، وهذه معلومة غير صحيحة بتاتا، فقد قامت الهيئة وشركاؤها في المناطق بحصر وتصوير وتوثيق آلاف المواقع وتعمل الآن على التعريف بها والحفاظ عليها وتأهيلها إضافة إلى السعي لضمها إلى قائمة التراث العالمي كما حدث مع المواقع الأخرى التي تم تسجيلها. ثامنا: في شأن تساؤل الكاتب: (لماذا لم تجهز جدة لإقامة حفل الافتتاح واستقبال المدعوين والزائرين)، نشير هنا إلى أن استخدام المواقع يخضع لمدى جاهزيتها وهذا أمر بديهي، وقد نظمت الهيئة عشرات الفعاليات والملتقيات في المواقع الجاهزة، وبعضها نظم في جدة التي نتوقع أن يتوسع ذلك فيها مع جاهزية جدة التاريخية إن شاء الله. تاسعا: نشير إلى ما عبر عنه الدكتور بقوله «لا تؤاخذوني، هذا اللقاء عن تراثنا المحلي ذكرني بالخواجة أحمر الوجه أزرق العينين أصفر الشعر، الذي وضعنا فوق رأسه غترة وعقالا»، فنحن كمؤسسة من مؤسسات الدولة نثق تماما وبكل اعتزاز بأننا نمارس مهامنا من منطلق العمل الوطني المنظم؛ ونستعين في الوقت ذاته بالخبراء أيضا، بغض النظر عن لون عيونهم أو جلودهم، كما تستعين بهم الجامعات التي تعلم فيها سعادته، وكما ذهب هو أيضا للتعلم وكسب المعرفة، ولكننا أيضا لا نقبل وصف تراثنا العمراني بهذه الصفة، ونعمل الآن على إخراج التراث العمراني الوطني من المفهوم المتخلف الذي اعتدنا سماعه، إلى المفهوم الأوسع المرحب بالمواطن، والذي يخرج فيه التراث والتاريخ الوطني من بطون الكتب ليكون واقعا معاشا، والإسهام في عجلة الاقتصاد الوطني. ولمزيد من المعلومات يمكن لسعادته وللقراء الكرام زيارة موقع الملتقى على شبكة الإنترنت www.nbhf.org.sa . آملين منكم نشر إيضاحنا هذا مع تقديرنا الكبير لصحيفة عكاظ واهتمامها الدائم بالقضايا الوطنية. د. مشاري بن عبدالله النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني