هذا حديث خارج فرية الفوضى أو حتى الديمقراطية الخلاقة.. وليس تكرارا ببغاويا لمعاني خطاب سياسي أجوف لم تهضمه كل القواميس.. لسنا بصدد الترويج لوجوه ورموز اهترأت، أو حتى تغييب للصفوة الصاعدة، والقابضة على جمر الوطن الحلم والمستوعبة لمدلول اللحظة التاريخية، بمعزل عن تلك «الطوطمية» السياسية في المشهد السوداني. تجاسرت وسائل الإعلام، إن جاز التعبير كونها حالة منبرية متجردة، قفزا على رسالتها أن صنعت أصواتا، جعلت منها الظروف السياسية الضبابية أيقونات لمرحلة سياسية لم ينضج فيها مشروع تطبيقي، لم تع هذه «الصفوة» كيفية وماهية هضم أدلجتها، وأخفقت بالتالي في استحداث مقاربة من حاجات الناس، في وقت لم تزل وسائل الإعلام الخرطومية مصرة على تلميع، تصدير، وتسويق هذه الزمرة، والتي لايمكن وفق معايير معرفية أن نطلق عليها نخبة، على نحو غريب، وبذلك تقترف خطأ حتمي المقصد عندما لا تتلقف رأي فئة «المتأففين» من حملة الرأي الواعد في القاع المغمور. أضحت وسائل الإعلام السودانية أدوات يمارس من خلالها الرمز السياسي ترويجا لفكرة «التقدم الخلفي»، ويستحيل إنسان السودان البسيط مؤمنا بغابة من الأطروحات والشعارات التي تنفثها النخب السياسية التقليدية والنمطية المتكلسة. وتوجه كهذا، يجعل المتابع متيقنا من أن إصرار هذه المنابر العرجاء، المفتقرة إلى استيعاب أن ارتباط استخدامات تحليل المضمون بالدراسات الإعلامية، بوصفها أداة وأسلوبا لتعرف المعلومات والتفسيرات عبر الأنشطة الاتصالية المختلفة، إذ إن هذا الارتباط والنشأة تولدان تبعا للحاجة الماسة التي فرضتها منهجية علم الإعلام وتعقيداته، أي بعد طغيان الصفة الجماهيرية على الوسائل، لتشكيل الخطاب الجمعي الجماهيري المفضي إلى وعيه لا تغييبه وتدجينه بتجاوز تخوم المهنة والأخلاق، تصر فعليا على تصدير هذه الزمرة، وتثبت بأن هناك خطابا إعلاميا يغرد خارج سربه بممارسة التلميع والتدليس الفكري، السياسي، والإعلامي في ذات الوقت،.. والضحية دائما هم «لمتأففون» في القاع. «متأففو» القاع السودانيون، قسرا، انحازوا إلى مسافة الصمت بينهم وبين الأحداث السياسية، وتغيبوا منعزلين عن النظر في الأزمات المستفحلة بموضوعية. بعكس أولئك ممن اقتحموا المشهد إلى لب الأحداث يحكمهم ترديد آراء ما يملى عليهم، فانحسرت بالتالي الموضوعية في طروحاتهم التي يغلب عليها الانحياز الكلي، أو رؤى تنبني على تصورات وفرضيات وأحكام مسبقة لا تمحص الإيجابيات في الآخر أو جوانب المضيئة في مكتسبه. إنما الركض اللاهث، تسانده آلة إعلامية مدجنة، نحو تدمير هذا الآخر واحتلال مساحته بشعارات فوقية دون أن يكون لها أسانيد الوعى الجماهيرى، بل طموحات الزمرة وسعيها لتحقيق مصالحها. فأي سلطة حاكمة عندما تبلغ مصاف الكراسي الوثيرة، تصبح أول من يخون شعاراتها وتسير عكسها بدعوى السهر على المصلحة العامة. وفي الوجه الآخر للمشهد، لم تعمل الزمرة الحزبية السودانية المتكلسة على إحداث تحولات جذرية في المشهد، بل عمدت إلى أدوات حاولت بها شق قنوات تمهد لمسرح وفاق لإعادة تقسيم الكعكة ثانية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة