يشكل انعقاد ملتقى التراث العمراني الوطني الأول في مدينة جدة هذا الأسبوع فرصة مهمة لفتح ملف المعالم التراثية في بلادنا ومراجعة وضعها الحالي وماذا فعلنا من أجلها. ويكتسب انعقاد المؤتمر أهمية خاصة بالنسبة لجدة، مقر انعقاد المؤتمر، لأنها أوضح مثال على التقصير والإهمال الذي عانى ويعاني منه أحد أهم المعالم وأجملها في بلادنا وهو منطقة جدة القديمة التي تعرض عدد كبير من بيوتها الأثرية للحريق والدمار حتى فشلت جهود ضمها إلى قائمة مواقع التراث العالمية المدرجة في منظمة اليونسكو وهي قائمة تحتوي على 936 موقعا أثريا ومعلما طبيعيا في العالم كانت جدة التاريخية مرشحة للانضمام إليها بجدارة. هذا الفشل كان متوقعا في ظل الأنظمة الشفافة لهذه المنظمة العالمية، والتي تتطلب حدا أدنى من المحافظة والعناية فاق بكثير ما حظيت به هذه المدينة. الشيء المؤسف هو أن فكرة المحافظة على جدة التاريخية تبلورت منذ أكثر من 30 عاما حين منع أمينها الأسبق المهندس محمد سعيد الفارسي هدم البيوت القديمة وأحال أحد أكبر هذه البيوت بيت نصيف إلى مكتبة وطنية كما أوقف حركة مرور السيارات بداخلها، بل رصف شوارعها بالجرانيت وزينها بالفوانيس التراثية الجميلة. لا أحد يفهم لماذا توقفت تلك الجهود وكأنها فقدت بوصلتها فلم تعد تعرف في أي اتجاه تتحرك. تدريجيا تحول الكثير من البيوت إلى مساكن شعبية مزدحمة بالعمالة الوافدة ولا تتوفر بها الخدمات الصحية اللازمة أو إلى مستودعات لتخزين البضائع التي يسهل اشتعالها مما أدى إلى احتراق ما يقرب من 100 من بين 600 بيت منها. حتى الدفاع المدني لم يقم بمنع التخزين العشوائي أو التوصيلات الكهربائية الخطرة، كما لم يقم بتوفير نقاط تمديد الماء اللازم للإطفاء السريع. مرت سنوات لم تقم فيها أمانة جدة بأي تحرك ملموس حتى أصبحت الرؤية ضبابية أو مظلمة واستمرت جدة التاريخية في تدهور مستمر، ثم رجعت الأمانة مؤخرا فأنشأت شركة تحت مسمى تطوير وسط المدينة التاريخية بدأت في ترميم بعض المنازل كما عملت نموذجا جيدا بيت البسيوني لما يمكن أن يصبح عليه بعض هذه البيوت بعد ترميمه واستثماره كمقهى أو غير ذلك من الاستثمارات السياحية، ولكن هذه الجهود الخجولة تعثرت مرة ثانية كما أن بعضها مثل استبدال الطرقات الجرانيتية لم يكن موفقا بل مرتجلا. القطاع الخاص بقي متفرجا إن لم يكن سلبيا ينتظر ما تفعله الأمانة التي لم تحسن توجيهه إلى الطريق السليم. هل تملك الهيئة العامة للسياحة والآثار، اللاعب الجديد على الساحة والمنظم الرئيس للملتقى الحالي، العصا السحرية لإنارة الطريق أمام جهود إنقاذ جدة التاريخية إن لم يكن قيادتها؟ أهالي جدة يأملون أن يكون الملتقى الحالي وسيلة للاعتراف بالأخطاء والاستماع بتواضع إلى رأي الخبراء ووضع خطط للتحرك بجدية وتغيير حالة الجمود الحالية، والمشاركة الفاعلة من قبل كافة الجهات ومن أهمها القطاع الخاص وخاصة أصحاب البيوت الأثرية، ليس كوسيلة لإلقاء اللوم أو عمل الدعاية أو الحديث عن أحلام يصعب تحقيقها. من المؤكد أن الفرصة لإنقاذ جدة التاريخية لن تدوم طويلا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة