منذ أكثر من 40 عاما ارتبط سوق السبت الشعبي في بلجرشي «سبتان»، ببائعات البسطات اللائي اتخذن من قارعة الطريق مقرا لمزاولة مهنتهن في بيع الأقمشة التراثية والحناء، حتى غدا تواجدهن في السوق إلى وقتنا الحاضر رمزا لكفاح المرأة وحبها للعمل، فعلى الرغم من بساطة تلك البضائع التي يقمن ببيعها إلا أنها ترجع بالذاكرة إلى ذلك الزمن الجميل، الذي كانت فيه المرأة تشارك الرجل في كسب الرزق الحلال، ناهيك عن أن تلك البسطات المتواضعة كانت مصدر رزق لأسر كانت تقتات من ريعها إلى وقتنا الحاضر. هذا ما تؤكده «أم عبدالله»، التي شارفت على العقد السابع من عمرها، حيث أكدت أن الربح البسيط الذي تجنيه من بيع الأقمشة والحناء والبخور في هذه البسطة المتواضعة منذ أكثر من 40 عاما، جعلها لا تمد يدها للغير، فيما ترى «أم سعيد»، في العقد السادس، أن مهنة البيع والشراء في هذه البسطات هذه الأيام لم تعد تفي بمطالب أسرهن، فحصيلتهن اليومية لا تتجاوز خمسة ريالات في ظل توافر الأقمشة الحديثة في العديد من المحال التجارية، موكدة أن زبائنها اقتصروا في الوقت الحاضر على كبار السن من النساء والرجال، وذلك لشراء «الحوكه»، وهي غطاء أبيض تلفه النساء على رؤوسهن، وكذلك «الشيلة»، والتي يطلق عليها «الطرحة» في الوقت الحاضر، لوضعها على الرأس، وكذلك يقمن بشراء الحناء والبخور، فيما ترى «أم أحمد»، والتي مضى على مزاولتها لمهنة البيع على هذه البسطات في سوق بلجرشي الشعبي 30 عاما، أن كسب الرزق في هذه المهنة بات صعبا، وذلك بسبب قلة الزبائن والذين أصبحوا يفضلون الشراء من المحال التجارية، «على الرغم من جلوسنا من ساعات الصباح الأولى على هذه البسطات وحتى غروب الشمس، إلا أن الإقبال على بسطاتنا بات ضعيفا، وعلى الرغم من ذلك فإننا نسعى للحضور بشكل يومي لهذا المكان لارتباطنا به وولعنا بمزاولة مهنة البيع والشراء منذ أكثر من ربع قرن في هذا السوق». ولم تخف «أم أحمد» أن الإجازة الصيفية تعد رافدا مهما لكسبهن، «أصبحنا نتشوق لقدومها وذلك لإقبال المصطافين على الشراء من بضائعنا العتيقة لأجل الاحتفاظ بها ولبسها كنوع من أنواع التراث القديم، حيث يكثر الإقبال في الصيف على شراء المعاصب وعطر الحناء وعطر أبو حمامة وعطر الكادي والعديد من الأقمشة والقمصان التراثية»، مؤكدة في الوقت نفسه أن «عدد البائعات في السوق ينخفض يوما بعد آخر، وذلك لكبر سن غالبيتهن وعدم حصول الفائدة عند بعضهن الآخر، ناهيك أن مواقع جلوسنا تخلو من المظلات التي تقينا وبضائعنا من لهيب الشمس في الصيف وغزارة الأمطار في الشتاء، فالعديد منا وخاصة وقت الشتاء يضعن أيديهن على قلوبهن خشية من تسرب الأمطار إلى مستودعات الأقمشة والتي لا تتجاوز (سحارية) أو شنطا حديدية نضع بضائعنا بها عند مغادرتنا للسوق». ومن جانبها تروي «أم صالح» أن أغرب وأطرف المواقف التي مرت بها هي استغراب الشباب من بضائعهن وعدم علمهم بأسمائها أو حتى كيفية استخدامها. وقال كل من عبدالله العجرفي وأحمد سعيد الحمراني، إن وجود هؤلاء البائعات في السوق بات علامة من علامات التراث وذكرى من الماضي، مشيرين أنهما يفضلان الشراء من هذه البسطات لرخص ثمنها وقدم بضائعها التي تمتاز بالجودة والتي لم يعد لها وجود في أغلب المحال التجارية الحديثة.