في عز طفولتنا كنا نرقب القادمين من الحج وما أن ينتهي العناق والتحميد بالسلام حتى تسقط أعيننا على ما جلبه لنا القادمون من المشاعر هدية ترمز لمكةالمكرمة وموسم الحج. ولم تكن هدية القادمين من تأدية الركن الخامس تتجاوز أكياسا من الحمص، الذي كانت لغتنا الطفولية في تلك الفترة تصر على أن تطلق عليه «الحمبص» الممزوج بحلوى باذخة السكر ألوانها شتى لم نكن نعرف من أين مصدرها. ودارت عجلة التقدم ومعها تطورت هدايا الحجاج لتكون ثيابا مطوية أكمامها من الأعلى توزع على الذكور، وأقمشة ألوانها متعددة توهب للنسوة، ولم يقف التطور عند هذا الحد بل جاءت بعدها «مناظير» تحمل صورا للمشاعر المقدسة يتم التنقل بينها بكبسة زر، فانبهرنا بذلك التقدم ولكن الفرق هنا أننا عرفنا أن موطن الصناعة الصين. وبالأمس القريب قبل العودة من المشاعر المقدسة، سألني صديق ماذا علي أن آخذ معي لأسرتي لأقدمه لهم يدل على مكة، فلم تتجاوز الخيارات ما طرح سلفا، إذ أن كل ما يدل على مكةالمكرمة والحج صنع في الصين وتركيا، بدءا من المناظير العتيقة، وصولا إلى السجادة التي تحمل صورتي مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ما أصابه بخيبة أمل ليرد علي في النهاية بعبارة «انسى الفكرة». إن فكرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل للوصول إلى منتج يكتب عليه «صنع في مكةالمكرمة» رائدة من نوعها، فالوطن لا تنقصه مواد خام ولا مناطق ومدن صناعية ولا حتى أيد عاملة، وفي ظل الطموح الذي يتميز به أمير منطقة مكةالمكرمة للوصول للعالم الأول لا أعتقد أن هذا الأمر مستحيل، فالحاج يجوب الأسواق والمتاجر باحثا عن توثيق لرحلة العمر الواحدة والتي ربما لن تتكرر، وصدقا الصدمة قوية حين يقلب المنتج على عقبه ويجد أنه صنع في مكان غير مكة وفي بلد ربما لا يكون إسلاميا. إن الحاجة ملحة لصناعة مكية ومدنية لكل ما يعنى بمناسبة الحج، يحملها الحاج معه إلى وطنه، فلا شيء يدل على ذكرى الحج سوى هدية خادم الحرمين الشريفين للمصحف الشريف، ولكن جميل أن يبرز جهد القيادة في مشاريع مكة والمدينة في قوالب ومجسمات تدل على أنه حقا هنا المشاعر المقدسة. [email protected]