كثير من الأخوات والإخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة يفوقون الأصحاء في إبداعاتهم وإسهاماتهم في خدمة مجتمعاتهم، ولا يصح أن ننظر إليهم كفئة ناقصة التكوين أو ناقصة العطاء. أعجبتني فكرة كتاب للزميل الإعلامي المتميز تركي الدخيل بعنوان «إنما نحن.. جوقة العميان»، كتب بطريقة برايل حمل على غلافه صورة المبدع والمبتكر السعودي «الكفيف» مهند أبو دية، وعبارة «نسخة خاصة للمبصرين»، كانت لفتة رائعة من الدخيل تستحق التوقف والثناء، وتذكرت حينها كيف نجح أبطال المملكة نجوم منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة في تحقيق بطولة العالم في كرة القدم مرتين فيما عجز الأصحاء عن تجاوز التصفيات المؤهلة للمونديال. ويحمل لنا التاريخ نماذج مضيئة من أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كان لهم تأثير بالغ في صناعة التاريخ وفي خدمة الإنسانية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: إبان بن عثمان بن عفان ابن الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه، وكان إبان أصم ومصابا بحول في عينه وبرص ثم أصابه الفالج وهو شلل يصيب إحدى جهتي الجسم طولا، كان إبان من فقهاء التابعين وعلمائهم في الحديث والفقه، عينه عبد الملك بن مروان واليا على المدينة عام 76ه، وكان يقضي بين الناس. والنموذج الآخر هو الإمام الترمذي، وهو الحافظ محمد بن عيسى الترمذي صاحب سنن الترمذي المشهورة وأحد أصحاب الكتب الستة المشهورة في الحديث، كان كفيفا، ولكنه برع في علم الحديث وصنف عددا من الكتب منها (سنن الترمذي - الشمائل المحمدية - العلل المفرد - الزهد). وكذلك كان الأحنف بن قيس رضي الله عنه الصحابي الجليل الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم اغفر للأحنف»، وهو الذي ضرب به المثل العربي «أحلم من قيس»، كان في رجليه اعوجاج وملتصق الفخذين فشق ما بينهما وكان أعرج قصير القامة، ولكنه جمع خصال الشرف والسيادة والمروءة والحنكة والحزم، وقد قيل عنه إذا غضب الأحنف غضب له مئة ألف سيف لا يسألونه فيما غضب، وتوفي في الكوفة سنة 67ه. وفي الشعر من منا لا يعرف من هو أبو العلاء المعري، الشاعر العباسي الذي أصيب بالعمى وهو في الرابعة من عمره، وكان فيلسوفا ومفكرا وشاعرا له كتب (اللزوميات في الفلسفة - رسالة الغفران - سقط الزند). ومن ذوي الاحتياجات الخاصة القائد المسلم موسى بن نصير، وكان من كبار الفاتحين المسلمين قاوم الروم وفتح الأندلس وأفريقيا ومدنا كثيرة في أوروبا، وكان أعرج، وتوفي سنة 96ه. كما أصيب الأديب المصري المعروف مصطفى صادق الرافعي بالصمم في الثلاثين من عمره، إلا أن إعاقته لم تمنعه من تحقيق شهرة أدبية واسعة، له كتب (المعركة تحت راية القرآن - المساكين - السحاب الأحمر) والكثير من المقالات الأدبية، وتوفي سنة 1937م. وفي العالم الغربي يبرز اسم ستيفن هاو كنغ، العالم البريطاني الحائز على أعلى منصب أكاديمي في مجال الرياضيات، كرسي الرياضيات الذي كان يشغله العالم الشهير نيوتن، وكان هاو كنغ مقعدا يتحرك على كرسي متحرك، صدر له العديد من الكتب منها (تاريخ موجز للزمن - ثقوب سوداء)، وقد تزوج وأنجب ولا يزال على قيد الحياة. أما النموذج الأبرز في التاريخ الحديث فهو فرانكلين روزفلت، الذي تخرج من كلية هارفارد، ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة كولومبيا، بعدها رشح نفسه لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك ونجح، ثم أسندت إليه وزارة البحرية الأمريكية، ثم أصيب بالشلل وعمره 39 عاما، ورغم ذلك كله لم ييأس ولم يرتهن للكرسي المتحرك وانتخب عام 1932م رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، وفاز بانتخابات الرئاسة الأمريكية أربع فترات متتالية حتى توفي سنة 1945م. وهنا لا بد لنا أن نقف احتراما وإجلالا لذوي الاحتياجات الخاصة، المكفوفين الذين يرون أكثر مما يرى المبصرون، والصم الذين يسمعون أكثر مما يسمع أصحاب الآذان الكبيرة، والمقعدين الذين ينجحون أكثر مما ينجح القادرون على ذرع ملعب كرة قدم على أرجلهم جيئة وذهابا بلا جدوى، ويبدعون ويبتكرون ما يعجز عنه الأصحاء. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز ؟؟؟؟؟؟ مسافة ثم الرسالة