لم ننتبه للحظة خروجها من باب دارها ولولا صوتها المتشعب في فضاء القرية الساكن لما التفتنا إليها أصلا، وضعنا فناجيل القهوة على أرض نفترش ترابها ثم دارت أعناقنا، تتبعها أعيننا وأسماعنا، لعل كلمة مفتاحية تجلو غبار المشهد، قالت أمي: لعل جنيا قد تلبسها فأركبها الجبال، وقال أبي: سبحانك يا مقلب القلوب والأبصار. ابتعدت فخفت صوتها حتى كاد أن يغيب، ثم انعطفت ذات يسار منحدرة تقطع المدرجات الزراعية مدرجا تلو الآخر حتى توقفت بجوار شجيرة عثرب قبل أن تستأنف عبور مدرجات الجبل مقبلة نحونا، قالت أمي: يا رب سترك! وقال أبي يا لله لا تهبهب علينا! بدأت الشتائم تتشكل بوضوح في أسماعنا وهي تقترب منا، كانت تكيلها لشخص بل لأشخاص كثيرين بل كانت تلعن الأمكنة والأزمنة وكل شيء يأتي على لسانها، قالت أمي: لعل أحدا سرق متاعها، وقال أبي: لعلها فقدت عزيزا لديها. استلمت سبيل القرية النفاح فأدركنا أنها ستمر على مقربة منا، تحركت أمي نحو حافة الفناء المطل على الطريق وتبعناها أبي وأنا، عبرت السبيل النفاح الذي يحمل العابرين للقرية، كانت أصوات البكاء تتمازج مع عبارات الشتائم لكنها بالتأكيد كانت تشتم زوجها والكلاب وأزمنة الكلاب، قالت أمي: وش بك يا بنت الحلال؟ وقال أبي: أذكري الله يا مخلوقه. التفتت نحونا ونحن نطل عليها من عل، كانت شمس الأصيل تنكسر على وجه جميل قد أحمر ملتهبا تعلوه دموع مختلطة بالكحل ومزيج من أسى وألم ومرارة وخيبة أمل ثم قالت قبل أن تواصل السير في سبيل القرية النفاح: طلقني ملعون الوالدين.