عقد من الزمن ولباس الإحرام لا يفارق مخيلة الروسي كزبيك محمد، فرؤية الكعبة المشرفة والوقوف بعرفة والتجوال في المشاعر المقدسة أمنيته منذ ربيعه الثاني، لكن ظروف حياته القاسية غيبت حلمه، فظل يكابدها حتى تحصل على «تحويشة العمر»، ثمن تكلفة الحج، فاقترب من حلمه، إلا أن الإجراءات النظامية في بلده حرمته طيلة العقد الثالث من عمره من أداء الفريضة، فالقرعة لم تحالفه، ووقف الحظ عنيدا أمام ما يريد، وبعد أن بلغ سن الرشد قرر الحج مهما كانت التضحيات ومهما عاندته الحياة، فاستقل دراجته الهوائية ولوح بيده لمدينته «كرتشاي» في القوقاز، وبدأ رحلة الثلاثة آلاف كيلو متر بعزيمة إيمانية. يقول كزبيك، «بعد أن انتهت الحصة الرسمية لبلدي في الحج ولم يظهر اسمي في قوائم الحجاج، امتطيت دراجتي الهوائية، وتوجهت من روسيا إلى تركيا ومنها إلى الأردن، وكانت رحلة شاقة، ولكن حلمي برؤية بيت الله الحرام أزاح كل العقبات، فكنت أقضي 18 ساعة يوميا مشيا بالدراجة في درب الحج، وعند وصولي إلى الأردن والمنفذ المؤدي إلى المملكة، التقيت مسؤولين أردنيين حاولوا إقناعي أن الدخول للمملكة لن يتاح لي لعدم وجود التصاريح الرسمية، عندها رفعت يدي صوب السماء ودعوت الله أن ييسر لي طريقي، وبالفعل كان لي ذلك، فوصلت إلى المنفذ وكانت تنتظرني مفاجأة». ويستطرد الحاج كزبيك روايته، ودموع الفرح على وجناته وهو بجوار المسجد الحرام قائلا، «على عكس ما توقعت تماما، وصلت المنفذ وأوقفتني السلطات الأمنية، فشرحت معاناتي لضابط أمن، وحاول تهدئتي والتخفيف علي، وأبلغني أنني سأتمكن من الحج، ولكن لا بد لي من الانتظار لأخذ الإذن، ولم تطل المدة حتى عاد لي، وزف لي بشرى تمكني من الدخول، وبالفعل دخلت وتوجهت إلى تبوك، وبعد أن نسقت الجهات الأمنية مروري وفق إجراءاتها، وطلب مني تسليم الدراجة إلى حين انتهاء رحلة الحج، على أن استقل الطائرة على نفقة الدولة السعودية والتوجه صوب المدينةالمنورة، وتوجهت إلى المسجد النبوي بكل عناية وترحيب، وكان في استقبالي في مطار المدينة ضابط أمن أقلني بسيارته الخاصة إلى المسجد النبوي، وبعد أن أنهيت زيارتي اصطحبني إلى الميقات، وهناك تحقق الحلم الذي طالما راودني بعد أن ارتديت لباس الإحرام، وودعني ذلك الضابط بعد أن كلف شخصا آخر بإيصالي إلى مكةالمكرمة، ونسق مع مؤسسة الطوافة المعنية بخدمات حجاج بلدي، وفور وصولي استقبلتني المؤسسة، وأمنت سكني وإقامتي، وأنهت إجراءاتي النظامية، وتوجهت صوب الكعبة المشرفة ودموع الفرح تذرف من عيني، بعد أن تحقق حلمي بتكلفة لم تتجاوز الألف دولار، وكان للأيادي البيضاء في المملكة الدور الأبرز في تحقيق مرادي بعد رحلة امتدت 20 يوما». رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأستراليا وأمريكا المطوف طارق عنقاوي، بين أن المؤسسة تلقت من الجهات المعنية وصول هذا الحاج بدراجته إلى أرض المملكة، وتم التنسيق لاستضافته كواحد من الحجاج الفرادى المعنية المؤسسة بخدمتهم، وعلى الفور وفر له السكن في مكةالمكرمة إلى جوار الحرم المكي الشريف، وهو الآن يرفل بالخدمات المناسبة وبرعاية المؤسسة التي ستؤمن له الخدمات حتى نهاية موسم الحج لأداء نسكه.