تستغل إسرائيل فرصة ثورات الربيع العربي لصالحها بقدر ما تخشى عواقبها، فهي وإن كانت تخشى أن تفسح هذه الثورات المجال لضغوط شعبية تهدف لمناصرة الحقوق الفلسطينية واتخاذ قرارات ليست في الصالح الإسرائيلي، إلا أنها وجدت في هذه الثورات الفرصة المواتية للاصطياد في الماء العكر لتكثيف جهودها القائمة بإثارة النعرات الدينية والعرقية في الدول العربية الرامية لتفتيتها وتقسيمها على هذا الأساس إلى دويلات، مستفيدة إسرائيل من نتائج تقسيم الدول الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا) للعالم العربي، بعد الحرب العالمية الأولى، إلى دول نتيجة لاتفاقية «سايكس بيكو» الشهيرة المبنية على مبدأ (فرّق تسد). وغير خاف أن أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية لإسرائيل هو هذا التقسيم على أساس ديني وعرقي: تقسيم المقسَّم، وبذلك تريد ترسيخ وتثبيت وجودها المصطنع كدولة مستقلة قائمة على أساس ديني وعرقي لليهود مثلها مثل غيرها من القوميات الأخرى في منطقة عربية ممزقة. وبهذا تضمن إسرائيل أيضاً إضعاف العرب وبالتالي المزيد من اختلافاتهم. وإثارة النعرات الدينية والعرقية لم تأت من فراغ، فقد دعا أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن قوريون، إلى العمل لاستخدام المسيحيين في الدول العربية كورقة رابحة في الصراع مع العرب، ومخطط إرييل شارون الذي نشر عنه في إسرائيل عام 1982م المتضمن تقسيم الدول العربية إلى دويلات على أساس ديني وعرقي مستمرة اسرائيل في تنفيذه. وغير خافية جهود إسرائيل المستمرة لدعم استقلال كردستان عن العراق مثلما استقل جنوب السودان الذي دعمته وساندته طوال السنين الماضية. وتنفيذاً لمخططاتها الرامية لبعث حالة من الفوضى وزعزعة الاستقرار في الدول العربية انطلقت إسرائيل لافتعال الأزمات وزرع الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين العرب آملة أن تسود الفرقة والانقسام بينهم موحية للعالم عن طريق وسائل إعلامها أن هذه الأقليات منبوذة ومضطهده وفي حالة يرثى لها من الاستهداف والتهميش وسط أغلبية إسلامية، وللإعلام الإسرائيلي والصهيوني الدور الأكبر في ذلك، هذا إضافة إلى ربط وضع الأقليات بمعاملة المنظمات والحركات الإسلامية لها كالقاعدة مثلا.