كشف وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى عن مشروع نظام للعقوبات البديلة وضع بعد استطلاع الخبرات، مبينا أنه «يدرس في الدوائر التنفيذية». وأبان في تصريحات خاصة ل «عكاظ» على هامش ملتقى العقوبات البديلة في الرياض أمس، أنه في حال إقرار واعتماد المشروع فسيكون تنظيما إلزاميا للعقوبات البديلة لا استرشاديا، مشددا على أنه «يتوخى مقاصد الشريعة الإسلامية». ونبه الوزير العيسى إلى أن الوزارة استطلعت الخبرات في إعداد المشروع، لافتا إلى مشاركة الجهات ذات العلاقة عندما يدرس في الدوائر التنظيمية. وأضاف «قدمنا في العقوبات البديلة مشروع نظام وتم تداول الرأي حوله»، وقال: «عندما نقدم مثل هذا المشروع من منظورنا العدلي، إنما ننطلق من واجب وزارة العدل بموجب نظام القضاء الذي ألزمها بالرفع عن كل ما من شأنه الرقي بالمستوى اللائق بالعدالة». وزاد «نظام القضاء ألزم وزارة العدل أن ترفع ما تراه من مشاريع ومقترحات ترى من خلالها فائدة تتوخى الرقي بالمستوى اللائق بالعدالة»، مضيفا «لا شك أن العدالة عندما تعاير هذه الموضوعات على هدي الشريعة الإسلامية ومقاصدها وتستصلح وتستصحب الظروف والأحوال على ضوء هذه المقاصد، فإنما تصل إلى هدف العدالة المنشود». أكد وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن القضاة في المملكة لا يرتجلون أحكامهم بل يؤسسونها على هدي من الشريعة الإسلامية ويستصححون وقائع الدعوى ويستطلعون رأي أهل الخبرة. جاء ذلك في تصريح صحافي أدلى به أمس لدى إطلاق ملتقى «الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة»، الذي تنظمه وزارة العدل على مدى ثلاثة أيام في مدينة الرياض. وقال، إن «الملتقى يأتي في إطار المحاور العلمية لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لتطوير مرفق القضاء، وهذا الملتقى مهم للغاية ويطرح قضية يكثر الحديث عنها وتكثر الأطروحات بشأنها، وهي تتعلق بالعقوبات البديلة، حيث يقصد بها في الغالب الأعم عقوبة السجن، وعقوبة السجن تكون في بعض مساراتها، مهما بذل حيالها من العناية والرعاية والمتابعة، غير مجدية، فضلا عما تكبده من تكاليف باهظة، وما يكون لها من ردة فعل على بعض القضايا اليسيرة خلال وجود السجين في السجن، بالرغم من أن قضيته لا ترتقي لمستوى سجنه». وأضاف «هناك اتجاهات حديثة أخذت بهذا المفهوم وفعلته، حيث حدت العقوبات البديلة في بعض الدول بنسب كبيرة، نطمح إلى أن نصل اليها. وبين الدكتور العيسى أن الجهود في هذا المجال تبدأ من البحوث والمسوحات الاجتماعية والنفسية مرورا بالتحقيق والادعاء، وهو ما يحرك الدعوة ويطلب الحكم وفق تسبيب معين وانتهاء بالقضاء وسلطته التقديرية في هذا الموضوع، الذي لا يتعلق بنص شرعي وإنما في باب فقهي غير مشمول بنص وهو باب التعازير. وقال، «العقوبات البديلة يراعى فيها المجني عليه ويراعى المجتمع وتراعى المقاصد الشرعية الإسلامية في الزجر والردع ولا يتجاهل أي من ذلك، كما أن المساحة الرحبة في السلطة التقديرية للقاضي في هذا المجال توضح وتبرز عالمية الشريعة الإسلامية وسعتها ورحابتها وانسجامها مع الزمان والمكان، وأيضا تشير إلى صلاحها وإصلاحها للمجتمعات والأزمنة والأمكنة». وأضاف، هناك معدلات قياسية قفز إليها مشروع خادم الحرمين الشريفين مرفق القضاء وتم الإعلان عنها، مبينا أنه قد حققت بحمد الله ثم بالدعم الكبير من خادم الحرمين الشريفين في إطار مشروعه لتطوير مرفق القضاء منجزات سواء على مستوى المراحل العلمية، وأن هذا الملتقى واحد من هذه المنجزات، كما حققت منجزات تقنية منها بوابة وزارة العدل التي تقدم 50 خدمة تقنية لطالبي خدمة العدالة، لافتا إلى أن هناك قفزات نوعية بما يتعلق بالمنشآت والتجهيزات وأن هناك محورا للتواصل الدولي ومحور تدريب الموارد البشرية. وفي كلمة أطلق بها أعمال اللقاء أمس، أوضح وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن الأخذ ببدائل السجن في المخالفات اليسيرة أنفع وأنجع في الأحوال المعاصرة، مبينا أن الاتجاهات الحديثة لا ترى خيار السجن إلا الملاذ الأخير وتحديدا في الجرائم الكبرى، وخصوصا ما يتعلق منها بحماية الأمن الوطني وحماية المجتمع من بذور الفساد وتأثيرها السلبي ومدها السيئ. وأضاف «السجن مهما أحيط بالرعاية والعناية فإنه لا يخلو من سلبية الحرمان من التئام شمل الأسرة وفقدان عائلها، فضلا عن تكاليفه الباهظة على الدولة، وعدم كفاءة عنصر الردع والزجر فيه»، مشيرا إلى أن الأنسب تخصيص السجون لأرباب الجرائم الذين يخشى على المجتمع من تأثير سلوكهم المنحرف على أفراده في انتظام سلمهم الاجتماعي واستتباب أمنهم وسكينتهم. ودعا إلى التحقق من شروط مهمة عند الأخذ بمفهوم العقوبات البديلة تتعلق باحترام النص الشرعي، وعدم الخروج عنه، أو مخالفة مقصده بأي وجه كان، مع ضمان حق المجني عليه، وحق المجتمع، والأخذ بعين الاعتبار حكمة التشريع من التأديب ولا سيما ما يتعلق بمقصد الزجر والردع، مع إعمال فقه الموازنات وفق قاعدة المصالح والمفاسد، ومن ذلك عدم دخول أرباب الجرائم الكبيرة والخطرة في الخيار البديل. وقال في كلمته: قد يحصل الوهم لدى غير المختصين في التشريع الجنائي الإسلامي والقانون الوضعي عند سماعه بمصطلح العقوبات البديلة، متصورا بأنها بدائل للأحكام النصية وأن الذي حمل على تجاوزها إنما هو التجاسر على أحكام الشريعة أو على أحسن الأحوال التطبيق الخاطئ لمفاهيم السياسة الشرعية أو الإخلال بمفاهيم وضوابط تغير الفتاوى والأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد. وتابع قائلا: يزول هذا الوهم الخاطئ إذا علم أن العقوبات البديلة لا تنسحب إلا على أبواب التعازير فحسب، وهي ما لا نص شرعيا في تقدير عقوبتها، بل مردها إن لم يكن نصا نظاميا أو مبدأ قضائيا إلى اجتهاد القاضي وفق سلطته التقديرية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، مراعيا في ذلك ما سبق ذكره من ضمانات وشروط استعمال هذه السلطة، مع أهمية استصحاب مقصد إصلاح الجاني وإعادة تأهيله لحظ نفسه وأسرته ومجتمعه على ضوء تلك الضمانات والشروط. وقال: إن أحكام الشريعة أحكام أصلية لا تبعية فيها ولا بدلية وهي النصوص التي بينت حدود الشرع ونظمت أحوال البلاد والعباد ورتبت المصالح، ونقصد بالتبعية هنا المجاراة والمحاكاة، والبديلة إحلال حكم محل آخر بالخيار المجرد على هيئة الأصيل والرديف، ولا نقصد بالتبعية التراتبية فهذه ترد في بعض الأحكام كما في حرمان القاتل من الميراث، ولا بالبدلية الانتقالية كما في الانتقال للدية عند العفو عن القصاص، وفي إزاء تلك الأحكام الأصلية أحكام تأييدية لحماية تلك النصوص، وهذه الأخيرة نوعان: منها ما هو مقدر شرعا يجب الالتزام بنصه في التطبيق، ومنها ما هو مفوض لم يحدد الشرع مقداره ومرده السلطة التقديرية للقاضي، ما لم يكن نصا نظاميا أو مبدأ قضائيا. وأبان وزير العدل أنه من حيث التأصيل والتكييف فإن العقوبات الشرعية ولا سيما ما يدخل منها في توصيف العقوبات البديلة مؤيدة بالدليل الشرعي تجريما وعقوبة، وأن هذا يرد به على المعترض في ما يورده من عدم توافر النص الشرعي أو النظامي المجرم والمعاقب في عدد من القضايا التعزيرية سواء كانت أصلية أو بديلة، عملا بقاعدة: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص». وأوضح أن منطقة التعازير في التشريع الإسلامي تمثل مساحة واسعة لا حجر فيها على القاضي ما لم يكن نصا نظاميا أو مبدأ قضائيا، يلزمه بالوقوف عنده، مؤكدا أن هذا شاهد على سعة الشريعة ويسرها ومرونتها في كافة موادها ولا سيما المادة الجنائية. وأشار إلى أنه ثمة تصنيفات وفروقات أخرى تتعلق بالسن والجنس والسوابق، أما من لم تجد معه العقوبة البديلة فمرده إلى العقوبة الأصلية لتأصل الجرم في نفسه ودخوله في دائرة الخطر على مجتمعه. وأفاد الدكتور العيسى أن الملتقى يأتي ضمن المراحل العلمية لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء، إذ يسلط الضوء على المستجدات والنظريات الحديثة في مادته ودراستها وفق النصوص والمقاصد الشرعية مع الأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والنفسية والأمنية والاقتصادية، مؤملا بأن تحقق توصياته طموح الجميع وأن تجد طريقها نحو الإفادة منها بتضافر الجهود وتعاونها في ما بينها. وحث وزير العدل الجميع كل في ما يخصه القيام بمهماته ومسؤولياته نحو هذا الموضوع المهم، بدءا من الدراسات الاجتماعية والنفسية بمسوحاتها الاستطلاعية الموثقة، ومرورا بتجاوب الادعاء وتفاعله الإيجابي معها، وانتهاء بالتعاطي الأمثل من لدن القضاء في استصحابه لمستجدات الظروف والأحوال وأهمية مراعاتها في الأحكام وفق مقاصد الشريعة المطهرة. ثم ألقى مدير الشؤون الجنائية والعفو في وزارة العدل في المملكة المغربية الدكتور محمد النباوي كلمة المشاركين في المؤتمر، منوها بهدف الملتقى وهو تفعيل الأدوار الإيجابية لبدائل السجون التي ستعود بفوائد جمة للسجين وأسرته و أفراد المجتمع والوطن. من جهته، أكد رئيس ديون المظالم الشيخ عبدالعزيز بن محمد النصار في كلمته، أن مجال العقوبات تقتصر على العقوبات التعزيرية فقط، حيث ترك الشارع لولاة الأمر ومن في حكمهم الحق في تحديد العقوبات المناسبة لكل جان وحدث. وشدد على أن إيجاد بدائل للعقوبات ليس المقصود بها تهوين العقوبة، مبينا أن السعي لإيجاد عقوبات بديلة ليس مختصا بأهل الشريعة وإنما على مستوى جميع المختصين من أهل العلم. أما رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، فأوضح أن الشريعة الإسلامية مستمدة من الكتاب والسنة ولا مانع للقاضي من سلطات تقدير واسعة ينظر فيها.