الحمد لله وحده وبعد: لقد امتدت ظروف الحياة وتعقيداتها الإدارية وانشغلنا كثيرا عن المزيد من المراجعة المخلصة في ما عملناه تجاه تفاعل القاضي مع روح رسالته في المجتمع، لن أتحسر عن ماض مجيد لتأثير سلفنا القضاة في مجتمعاتهم .. ولكن لنهرب للأمام بمفهوم جديد ببناء مؤسسة هدفها خلق الجيل القضائي الفريد المتمازج مع المجتمع والمؤثر تأثيرا دافعا ومحفزا على العطاء كسابق عهد القضاة منذ أيام آبائنا المؤسسين لهذه الدولة المباركة. أحلق عاليا بالدعوة إلى سنة، وأسأل المولى أن يهيئ لها من يحييها ليكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة. بمؤسسة وليدة لها التفرد بنظام إداري وكيان اعتباري مستقل مرتبط بشكل مباشر بديوان خادم الحرمين الشريفين، ارتباطا فخريا يسبغ عليه من الاهتمام ما يعلي شأنه وكينونته. تقدم كل سنة تقريرها لخادم الحرمين برؤيتها وفعالياتها في المجتمع وعن التقدم الحاصل في منسوبيها، ويكون لها فروع في مختلف مناطق المملكة ولها آليتها الشفافة، وفعالياتها العلمية والاجتماعية وخدماتها المتنوعة ولها حضورها الفعال في المجتمع وتتفاعل مع قضاياه، وتشجع المؤسسة إنشاء مراكز ثقافية في المناطق الرئيسة وتحتوي على مكتبة بحثية تحوي المراجع المتخصصة وقاعات التدريب والترجمة المتصلة بمراكز البحث في الداخل والخارج تنقل مؤتمرات (Video Conferencing). بل يجب أن تكون المؤسسة ناشرة لثقافة الحقوق والعدل في الداخل والخارج لها فعالياتها التبشيرية بتحكيم الشريعة، وتؤسس كراسي البحث في الجامعات العالمية العريقة وتوفد القضاة الماهرين لإطلاع العالم على تجربتنا الخالدة، وكذلك مؤسسة داعمة للرفع من مستوى القاضي المعيشي والاجتماعي ببرامج خاصة. إن هذا المقترح المساند لمشروع التطوير العدلي الرائد يحمل عبقا من حضارتنا الإسلامية الحافلة بالعدل، القائمة بالقسط. فلقد كان خلفاء المسلمين يولون القضاة عناية بالغة، ويوقفون عليهم الأوقاف، من مكتبات ووسائل تنقل ومعاونين ومعاهد ونساخ ودور ومشاف وغيرها، لمعونتهم لتحمل مسؤولياتهم في الدولة الإسلامية ولسد حاجاتهم كافة، وليتفرغوا تفرغا تاما لمتطلبات وظيفتهم ولتحقيق رسالتهم الخالدة. ويوجد في مملكتنا المباركة العديد من القطاعات التي اهتمت بتعزيز هذه الجوانب، ومنها القطاعات العسكرية والأمنية عبر مراكزها وأنديتها الثقافية من فعاليات وبرامج متميزة رفعت من مستوى منسوبيها. إننا لن نستطيع أن نؤدي رسالة القضاء السامية على الوجه المنشود، إلا إذا اهتممنا حقيقة في تعزيز قناعات حاملي مشروع التطوير وتعزيز الروافد المهمة للشعور بالرضى اجتماعيا واقتصاديا وصحيا وثقافيا بالقاضي «الإنسان» ودعم وجوده المؤثر في المجتمع، وجعله في منأى عن حاجة خلق الله، من أجل إقامة شرع الله، على الوجه الذي يرضي الله. وعلى هذا جرى التوقيع .. وسننهض في لقاء آخر .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. * القاضي في محكمة تبوك العامة