إن كان للموت حسنات فإن من حسناته أنه أحيانا يكون سببا لإثراء المكتبة الأدبية بنتاج أدبي بديع، يسطره مبدعوه ليكشفوا عن مزايا بعض من خطفهم منا الموت فغادروا عالمنا الدنيوي مودعين بكثير من الحب والدمع الحزين. خلال هذا الشهر تلقيت كتابين جميلين عن علمين محبوبين من أعلام البلاد، غازي القصيبي ومحمد عبده يماني رحمهما الله، اللذين غادرانا في مدد متقاربة، رحلا وتركا وراءهما فراغا يشعر به كل من عرفهما ولمس ما كان لهما من عطاء وبذل في خدمة المجتمع. أحد الكتابين (غازي القصيبي، الحاضر الغائب، في ذاكرة القلم) أشرف على ترتيبه ومراجعته وكتب مقدمته معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان وقد تناولت الحديث عنه الأسبوع الماضي، والكتاب الثاني (محمد عبده يماني، الإنسان) أشرف على إعداده وكتابة مقدمته الأستاذ عبدالله خياط، ومهد له الأستاذ محمد علي الجفري، وهو كتاب كبير الحجم، ثقيل الوزن يزيد عدد صفاته على أربعمائة صفحة، كلها مسطرة بأحاديث وذكريات عن الراحل المحبوب محمد عبده يماني رحمه الله. حين تقلب صفحات الكتاب وتجد أمامك هذا الكم الضخم من المراثي، لا يعتريك شك في أن من يجد مثل هذا العدد الكبير من الراثين، هو لا مشاحة يحظى بمقدار عظيم من حب الناس وتقديرهم، وقد قرأت في هذا الكتاب لعدد كبير من الكتاب الذين رووا بعضها من ذكرياتهم عن المرحوم محمد عبده يماني، فعرفت أشياء كثيرة عنه ما كنت أعرفها قبل هذا، عرفت كيف كان مقصدا للمحتاجين والمأزومين وكيف كان كريما، ليس بماله فحسب وإنما بجهده ووقته وجاهه وفكره وعلمه، وأحسب أن ذلك منتهى غايات الكرم، وقد ذكر بعض أولئك الكتاب كيف أنه كان معينا لهم على تجاوز أزمات معنوية مروا بها في بدايات حياتهم وكانوا يتوقعون أنها ستقضي على مستقبلهم، لكنه رحمه الله بسماحته وسعة صدره وحكمته، استطاع استيعاب مشكلاتهم وإطفاء لهيبها. يقول عنه الدكتور حمود أبو طالب واصفا شخصيته عندما التقى به في مؤتمر الحوار الوطني الأول عام 1424ه: «في معمعة التجاذبات الحادة كان صوته يأتي هادئا، متزنا، توفيقيا، مسالما، ذكيا ومحيطا بما لا يدرك أهميته أكثر المشاركين». وفي حياته الخاصة، كان مرحا يحب الابتسام ويسعى إلى زرعه على شفاه من هم حوله. رحم الله محمد عبده يماني الذي عاش محبوبا ومات محبوبا، أو كما وصفه الأستاذ عبدالله الزيد: «اتصف بالحب، واحترف الحب، وبادل كل من عرفه الحب، ثم فاز بعد ذلك بكل مكافآت الحب»، وما أظن للحب مكافأة أكبر من الحب ذاته. وما أجمل ذلك!! ما أجمل أن تحب وأن تكون محبوبا!!. وبعد، فالكتاب جهد موفق جدير بالشكر والثناء، فليتقبل منا الأستاذ عبدالله خياط جزيل الشكر وأصدقه. فاكس: 4555382 1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة