النموذج التركي الأردوغاني، وأعني به تركيا في عصر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أثار جدلا واسعا في أوساط العالم العربي على وجه الخصوص، وقد عكس هذا الجدل طبيعة المجادلين، فمنهم من وقع في «غرام» هذا النموذج، باعتباره نموذجا يصلح لإنقاذ كثير من الدول العربية التي ضرب الفساد في جذورها، بينما راح فريق آخر يشكك في نوايات الرجل، صاحب النموذج، أو مخططه، على أنه إنما يحاول إعادة خلق النموذج العثماني القديم، بهدف السيطرة على العالم العربي، ثم بقية أرجاء العالم، وبين الفريقين آراء عديدة، بعضها مؤيد، والبعض الآخر معارض. أما المغرمون بالنموذج الأرودغاني، ففي رأيي أن لهم الحق في بعض المظاهر التي جذبتهم؛ فالرجل قد أدخل تركيا إلى دائرة مغايرة تماما لما كانت عليه قبل وصوله إلى الحكم، إذ تحول من لهث تركيا للارتماء في أحضان الغرب، إلى الاتجاه نحو العالم العربي والإسلامي، الذي يدينون له بعلاقات عقدية وتاريخية، تصلح لأن تكون أساسا لانطلاق تركيا نحو مرحلة مزدهرة، سياسيا واقتصاديا، محليا ودوليا. ومن هذا المنطلق، كان موقف أردوغان من القضية الفلسطينية، ذلك الموقف الذي بلغ من قوته ودعمه وتأييده، ما فاق مواقف كثير من الدول العربية الي تغنت بوقوفها إلى جانب الحق الفلسطيني على مدى ستين عاما، كما كان موقفه كذلك من الثورات العربية، وتأييده لتلك التحولات الديمقراطية، ذهب مؤيدا سياسيا وداعما اقتصاديا وزار مصر وتونس، بل وليبيا وهي مازالت تستنشق عبير الرصاص، ناهيك عن موقفه الحازم مما يحدث في سوريا. ولا يخفى على الزائر لتركيا أن يرى ويلمس آثار التجربة الأردوغانية في المجتمع التركي. فعلى سبيل المثال، لا يقتصر عمل البلديات على قضاء مصالح المواطنين فقط، فبلدية مدينة «يلدريم» أكبر رابع مدن تركيا (2.5 مليون نسمة) هي بمثابة منطقة سياحية، تتغلغل بما تقدمه من خدمات إلى أعماق المجتمع، فهي توفر فرص العمل للعاطلين، بل وتقوم بتدريبهم المهني، كما توفر المأوى بالمجان للمشردين والمطلقات والأرامل، بل وتوفر لهم العمل المناسب، الأغرب من ذلك أن في المدينة «سوبرماركت» للفقراء، بل كل ما يحتاج إليه الفقير من سلع غذائية ونحوها، بالمجان، نعم بالمجان، ولا تموله الدولة، وإنما يقوم أغنياء المدينة بتوريد المنتجات اللازمة، كصدقة جارية، ويستطيع أي مقتدر أن يشتري منه ما يريد، ثم يهبه للفقراء عن طريق البلدية، لتفادي الحرج. وجدير بالذكر أن هذا ال «سوبرماركت» يتضمن كل شيء، بدءا من الأغذية، ومرورا بالملابس، وانتهاء بالأثاث وتجهيزات العرائس. وإذا كان البعض يرون عدم ملاءمة النموذج الأردوغاني من الناحية السياسية لبلادهم، فلِم لا يأخذون من هذا النموذج ما لا اختلاف حوله، وما يصلح تطبيقه في كل مكان وزمان؟! والاستثمار في تركيا، لأهلها وللعرب والمسلمين، قوة جذب كبرى، فأبوابه مفتوحة دون بيروقراطية، ولا «رشاوى» عفوا، ولا «إكراميات» على المستثمر أن يقدمها لهذا وذاك حتى يظفر بالموافقات اللازمة والتراخيص المطلوبة، ولدي شهادات عديدة لأشخاص خاضوا تلك التجارب. أما الرافضون، بل والكارهون، بل والمقاومون المشوهون للنموذج الأردوغاني، فيستخدمون «فزاعة» الدولة العثمانية، لتخويف السذج والبسطاء من الاقتراب من تركيا، ويصورون أردوغان على أنه «سليم الأول» أو غيره من سلاطين بني عثمان، عاد ليحيي إمبراطورية الخلافة، وتحقيق أحلام تركيا في العودة إلى السيطرة على العالم. فلماذا لا نمد أيدينا، إلى نموذج إنساني، فيه من الفكر الصالح ما تستقيم به أمور الدنيا، فنأخذ منه ما يتوافق معنا، ونترك له ما يخص أصحابه، والله تعالى لم يحرم علينا «التعارف» مع البشر جميعا، والسعي في مناكب الأرض، والتعامل مع الآخر، حتى ولو كان من غير ملتنا، وقد أخذ الأولون السابقون من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ومن التابعين، من نظم الأمم والشعوب التي فتحوها ما يصلح لهم، وما تستقيم به أمور رعاياهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة