تعتبر تجربة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن الشعرية فريدة من نوعها، إذ أنه بعيدا عن كونه أحد رواد الشعر الحديث، إن لم يكن مؤسسا للمدرسة الكلاسيكية الشعبية لكن بلغة بيضاء تمكن من خلالها من تجاوز الحدود الجغرافية لتكون العواصم العربية كافة محطة استراحة لشعره. وبالتعمق في قصيدة بدر العاطفية فإن النمط الذي اتبعه الشاعر مختلف عن ما سلكه الشعراء إلى حد ما، إذ أن الشاعر في قصيدة العتب يقدم الاعتذارات مرورا بالأطلال إلا أن بدر في قصائده خالف ذلك إذ عمد إلى التأسف ومن ثم طرح الخيارات لكنه في نهاية المطاف يختم قصيدته بتوجيه بيت شعري يعلن فيه الرحيل القوى دون الالتفات إلى أي من الذكريات أو حتى توسلات أنثى قصيدته وفي الجزء الأخير من قصيدته “أبعتذر” بقعة ضوء مسلطة على هذا الجانب في خطه الشعري. كريم .. حبك ... يكون ... همي القديم ... وجرحي القديم ... والله عليم ... يا أحلى العيون ... إن الفراق ... جزا الفراق ... ابوعدك ... كان الطريق بيبعدك ... بامشي الطريق ... وكان الجحود بيسعدك ... مالي رفيق ... أبجمع أوراق السنين ... وأودعك ... كان الفراق اللي تبين ... الله معك وتميز الأمير الشاعر في كتابة النص الوطني إذ أن المستمع لملحمته الوطنية «وين أحب الليلة وين» يعتقد للوهلة الأولى أنها عاطفية صرفة بينما نظمها البدر من واقع عشقه للرياض فصورها أنثى كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يغازلها ليضفر بها، وبعيدا عن هذا النص فالعمل الشعري «هام السحب» المولد قبل نحو ربع قرن من الزمان إلا أنها لم تفارق أي مناسبة وطنية منذ إطلاقها في العام 1408ه ويعود السبب بحسب الأمير بدر بن عبدالمحسن إلى أنها لم ترتبط باسم ملك الأمر الذي كان ولا يزال سر نجاحها. وبعودة للأعمال العاطفية فإن الصورة الشعرية لدى البدر حولت المحابر إلى قناني مشاعر وعطور، فاحت بعذب الأحاسيس وأصدقها فلم يكن البدر رهين غرض شعري واحد، بل طوع بحار الشعر لتكتب ما يريد وما يدور في أروقة قلبه ولربما أن ما يميز قصائده أن المفسرين والمتذوقين لشعره يختلفون في الخروج بما يقصده وإن اختلفت الرؤى فإن الجميع يتفقون على أنه كان يقصد ما ذهبوا إليه ما يعني أن اختلاف التفاسير لا يفسد للبدر معنى وهذا ما ميزه وجعل من شعره صالحا لكل متذوق شعر. وبالنظر إلى قصيدة “ نجمه ونهر “ التي تحمل لغزا شعريا كبيرا ربما يعجز الكثيرون عن فك شفرته الموغلة في الحب والصورة الشعرية والتلاعب بالمفردة، إذ استهل بدر القصيدة قائلا : لو حبت النجمة نهر .. وطاحت على صدره سنا أن مرت الغيمة قهر .. وان هبت النسمة قهر ومن هنا يبدأ بعد النظر والقدرة على ترويض صهوة الكلمة لتصبح المسافة بعيدة بين عاشقين وكأن ما بينهما فرق السماء عن الأرض، وما أن يلتقيا حتى يتعكر الصفو لترهق المشاعر كل تلك المؤثرات التي ربما تكون طبيعية حتى يبدأ في التطرق إلى العوامل المحيطة لكنها رغم ذلك ليست بعيدة عن براءة الأطفال ليقول والا رمى طفلٍ حجر .. عكر مواعيد الهوى ويعود البدر ليمارس هندسة الكلمة موحيا إلى أنثى قصيدته أنهما لن يلتقيا فالفارق بعيد والمسافة التي رفضها يوما والسور والباب والحارس أصبحا يعيقان الوصول فأصبح المشوار طويلا أعيا المشاعر وأنهكها. إنتي وأنا نجمه ونهر .. وطالت مشاوير السهر بينك وبيني الغيم .... والشمس .. وأغصان الشجر .. وحكي العواذل والحذر .. ولو رمي طفلٍ حجر .. عكر مواعيد الهوى وهنا يستسلم الشاعر للقدر ليسرد قصة البعد ومسبباته فكل في فلك يسبح، وكأن لسان حاله يقول قدر الله وما شاء فعل يا بنت للنجمة سما .. وأنا لي الوادي ما اختار في قربك ولا ... اختار في بعادي امشي .. ولا ودي .. لو تمسكي يدي لا أضيع ف أمواج البحر .. ويفوت ميعادي ويعود متحسرا رغم رحلة القصيدة ليبث الأمل في رحم الحلم مختتما بالبداية ذاتها. إن مرت الغيمة قهر .. وان هبت النسمة قهر البدر هو ذاك الشاعر المتفرد في سماء الشعر الحر المطوع لجفول الكلمة والعاسف لروح القصيد ليصبح لينا غضا يشكله كيفما يشاء ليكون بحق الشاعر الذي حول المحابر إلى قناني عطور وشكل الورق زهرة تفوح حبا.