لم يخطئ المشاركون في المؤتمر العالمي «التكفير.. الآثار، الأسباب، العلاج»، بأن تكون انطلاقة «رابطة علماء المسلمين» التي اقترحوها في مؤتمرهم الذي اختتم البارحة الأولى، من المملكة العربية السعودية، ذلك البلد الذي يحتضن البقاع المقدسة، ويملك من العلماء الراسخين الكثير، وهو البلد الذي جمع علماء الأمة ووحد صفهم، وأطلق مبادرة عالمية للحوار بدأت من رؤى طرحها علماء الإسلام في اجتماع عقد في مكةالمكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، للانطلاق بها إلى حوار عالمي مع أتباع الأديان الأخرى. هذا المركز الذي سيكون له دوره البارز في رصد تلك الظواهر القديمة المتجددة عبر التاريخ ودراستها علميا وأكاديميا بشكل معمق يشارك فيه علماء الأمة بأفكار ورؤى تحدد أسبابها الحقيقية وبالتالي وضع العلاج الناجع لها، لتكوين أجيال قادمة تتسم بوسطية الإسلام وتحافظ على القيم والمبادئ الإنسانية. ولعل توصيات المؤتمر التي جمعت ما يقرب من 500 عالم منتقين من كل القارات والمذاهب، تؤكد أن المؤتمر كان لابد من إقامته في زمن بدأت أفكار خبيثة مضللة تتسرب إلى بعض الشباب والناشئة من أبناء الأمة، ومطالبته باستراتيجية شاملة في مواجهة ثقافة التكفير ومدراسه المختلفة يشير بوضوح إلى نجاح المؤتمر في توحيد الرؤى لوقفة جادة في محاربة فاعلة لفكر التكفير ومناهجه المختلفة ليس لهذا الجيل فحسب، بل عبر قرون قادمة. ذلك المركز وتلك الاستراتيجية؛ مواكبة للتطورات العالمية المعاصرة، وسيكونان مواجهة حقيقية شاملة في مواجهة التكفير ومدارسه المختلفة، تتناول الأبعاد الفكرية والثقافية والأمنية، ولهما القدرة على التعامل مع ثقافة التكفير على نحو علمي مبني على الحوار والإقناع. وهنا يأتي دور الإعلام في البلدان الإسلامية؛ فكما هو معروف فإنه المؤثر الأبرز على المجتمعات الإنسانية وتحديدا الشباب، بنشره الرأي الوسطي، وإبراز خطط التنمية الوطنية، وتثقيف الشباب ومعالجة مشاكلهم. وطرح بعض العلماء على هامش جلسات المؤتمر، الاستفادة من تجربة المملكة في مواجهة الأفكار التكفيرية والضالة، سواء من خلال لجان المناصحة، أو البرامج التوعوية، أو الأساليب الفكرية والأمنية والقضائية، فرأى المؤتمرون أن تتضمن هذه الطروحات لتكون واحدة من أبزر توصيات المؤتمر، خاصة كما أكدوا أن تلك التجربة السعودية خطت منهجا شرعيا مبنيا على رعاية المصالح وإحقاق العدل، ودعم المراكز البحثية والكراسي المتخصصة في العالم الإسلامي لمعالجة الفكر المنحرف وأسبابه، مع الاستفادة من المتخصصين في علوم الشريعة، وعلم النفس، الاجتماع، والتربية. ثم تأتي مطالبة المشاركين في المؤتمر باستقراء شبهات التكفير؛ وهي خطوة نظرية تتحول إلى عملية عندما يعود كل عالم ومشارك إلى مجتمعه، بحيث يستقرئ أولئك العلماء والباحثون دعاوى الفئات الضالة التفسيقية التي تحولت إلى تكفيرية ثم إلى تفجيرية، ويتم تتبع مقالات وخطابات تلك الفئات الضالة للرد عليها بالحجة والبرهان والدليل القاطع، شرعيا وعقليا وحتى إنسانيا. وأراد المؤتمرون حماية المصطلح الشرعي للتكفير من فتاوى رؤوس تلك الفئات المضللة، كما أراد المشاركون في المؤتمر أيضا حماية المصطلح الشرع للتكفير بجعل الجهة المخولة بإصدار الحكم التكفيري على من يستحق هي الجهة القضائية واعتبار الافتئات عليه من غير أهله جريمة يستحق من تجاسر عليها العقوبة التعزيرية التي يراها ولي الأمر. لم يكتف المؤتمرون بذلك بل إنهم أكدوا على وظيفة البيت والمدرسة في تحصين الشباب والناشئة لأنهما المحضنان في التربية الأولى، بتحصين الأبناء ضد الأفكار المنحرفة، بعدة خطوات هامة أبرزها: نشر الوعي الأسري، تنمية روح المسؤولية لدى الأبناء، توطيد أواصر الصلة بين أفراد الأسرة، ودور التعليم في معالجة مسائل التكفير وصوره من التطرف والغلو، مع ضرورة انتقاء المعلم والداعية بحيث لا يتولى تلك الوظيفة المحمدية إلا من عرف بالوسطية والاعتدال وسلامة المنهج وصحة المعتقد. مع ضرورة ربط الشباب بالعلماء الربانيين، وتوجيههم التوجيه السليم، لحصانتهم من كل فكر منحرف أو دخيل، وثمة دور محوري للجهات الشرعية والتربوية والاجتماعية والفكرية لمواجهة الأفكار التكفيرية، بوصفها جميعا طرفا فاعلا في تلك المواجهة وليس جهات متطوعة للعناية بالشباب، مع تضافر الجهود لتحقيق حصانة فكرية للشباب بطرق علمية وخطوات علمية وأساليب مؤثرة، تتجاوز التنظير العلمي إلى خطوات عملية لمعالجة قضايا الشباب ومشكلاتهم.