«الحمدلله وحده وبعد : من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم فضيلة الشيخ عبد الله بن عبدالعزيز الرشيد قاضي المندق. سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فقد وردنا خطاب من ...و.. يذكران فيه أنهما قد قاما منذ سنتين تقريبا بنشر الدعوة في قبائلهما، وأنهما قد أسسا مركزا يضم مجموعة من أهل الدين والتقوى والصلاح في قبائلهما لتوجيه الناس إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بمؤازرتك وتعضيدك؛ ويطلبان منا أن نتوسط لهما لدى جلالة الملك حفظه الله بالإذن لهما وإجازتهما على أن يكونا داعيين في قبائلهما إلى الخير. فأنتم أفيدونا عن ديانة وتقوى المذكورين وتمسكهما بالقواعد الشرعية قولا وعملا، ومعرفتهما بالدعوة إلى الله سبحانه وطرقها وقواعدها الموضحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومكانتهما من معرفة المصالح والمفاسد، ومراعاة التسكين والتعقل والرزانة، وفق الله الجميع إلى الخير والصلاح. والسلام عليكم». كانت هذه من الكلمات المعتادة التي يلزم بها رئيس القضاة قضاته بممارسة دورهم في المجتمع، وكدليل على أن من الأسس التي قامت عليها هذه البلاد هو الشعور بالدور الكبير للساسة والعلماء والقضاة والمرشدين وبقية شرائح الدولة في الرفع من مستوى المجتمع الأمي، والسير به خطوات واسعة نحو المجتمع الرشيد . سأتحدث عن إشعاعات حضارية تحتم علينا أن نقف مليا عند دور القضاة في السابق وكيف انكفأ دورهم مؤخرا بصورة كبيرة في محيط مجتمعهم. بل وأصبح يستهزأ بهم ويسخر بهم المهرج وكل صاحب دور رديء في المجتمع، وماحلقات طاش ما طاش عنا ببعيد . ياقوم أليس منكم رجل رشيد. كان قاضي البلدة هو قدوة المصلحين وهو الرجل الثاني بعد أمير المنطقة، وهو المشرف الأول عن الحالة الإرشادية في المجتمع وقد دعم بصلاحيات في تعيين المرشدين والأئمة والخطباء وأعضاء الهيئات، ولا خيار أمامه عن التراخي وهو ملزم بأوامر من مرجعه بالتعاون اللصيق مع أمراء المناطق في هذه الشؤون لنشر الوعي في المجتمع. بعدها تطورت البيئة الإدارية في أجهزة القضاء وتخصص وانحصر دورهم على أوجه المنازعات الصرفة، حيث تشكلت العديد من الجهات الإرشادية والتوعوية، أدت إلى انحسار كبير ومتراكم لتأثير القاضي اللصيق بالحالة التوعوية والإرشادية في المجتمع. ووصل الانحسار الاجتماعي للقضاة إلى رؤى اجتهادية إدارية بدت أكثر منهجية في حصر القاضي بعيدا عن دوره الإصلاحي في المجتمع، فلا أظن أحدا يتخيل أن يصل الحال بالقضاة من تلك المنزلة المؤثرة والتي لم تملك سنواتها الخمس عشرة الماضية إلى حالة ربما اطلع عليها وزير الشؤون الإسلامية من اجتهادات لبعض منسوبي وزارته في منع حصول بعض القضاة المتميزين والحفاظ للقرآن والسنة على مساجد ومنابر لخطبة الجمعة. برؤى بدت أحيانا اجتهادات شخصية وللحديث بقية . * القاضي في محكمة تبوك العامة