عندما ضربت كارثة السيول مدينة جدة مرتين في الأعوام الماضية، لم تعبأ هذه السيول وهي تشق طريقها نحو تدمير البيوت وخطف الأرواح بالخلفيات الفكرية والعقدية والاجتماعية لضحاياها. لم يفرق الموت يومها بين السعودي الليبرالي والسعودي الإسلاموي أو بين البدوي والحضري إلى آخر هذه التصنيفات التي ما أنزل الله بها من سلطان. وقبل السيول بسنوات عندما حمل رجال الأمن البواسل أرواحهم بين أكفهم وتصدروا الصفوف لمواجهة الإرهاب فإنهم لم يكونوا يفكرون في الدفاع عن منطقة بعينها أو قبيلة بقدر ما كانوا يفكرون في الوطن ويستشهدون في سبيل حمايته. هل كنا بحاجة إلى كوارث الإرهاب والفساد لتذكرنا بأننا شعب واحد يواجهنا مصير واحد مهما اختلقنا لأنفسنا من فروقات وتصنيفات فكرية وعرقية ومهما أشغلتنا النخب بصراعات التيارات؟. اليوم الوطني الذي يحل علينا بعد غدٍ هو مناسبة عظيمة تستحق الذكرى والاحتفال. قد يحتفل البعض بهذا اليوم عن طريق قصائد التبجيل وأغاني المديح ولا بأس في ذلك فهذا يحدث في كل دول العالم. وقد يحتفل آخرون بهذا اليوم بطريقة أخرى يحاولون بها قراءة تحديات الحاضر واستشراف تحديات المستقبل التي تنتظر الوطن مستندين على قيم عظيمة مستمدة من الدين الحنيف ومن الفكرة الأساسية التي قامت عليها المملكة على يد الملك المؤسس وهي الوحدة تحت راية واحدة. وهؤلاء أسميهم «أحسن ناس». فهم مواطنون مخلصون يدركون بأن حب الوطن في أسمى صوره يتطلب المزيد من الشفافية والمزيد من النقاش الحر حول تحديات الإصلاح والفقر والفساد والبطالة التي تواجهه والمزيد من المشاركة الحقيقية والفاعلة للمواطن في صنع القرار وإبداء المشورة. فالعلاقة بين المواطن والوطن هي علاقة حب من طرفين فيها واجبات على المواطن وفيها حقوق له. حفظ الله لنا بلادنا.. وكل عام وأنت بخير يا وطن.