كثيرة هي العجائب والمعجزات التي وجدت كي يفكر فيها الإنسان ويعتبر لينهض من سباته ويعمر الأرض التي يؤتمن عليها بصفته المكلف من دون بقية المخلوقات. ولكن .. ومن وجهة نظري البسيطة أعتقد أن الإنسان الياباني هو الظاهرة التي يجب التوقف أمامها كثيرا، والتأمل في تكوينه العقلي الذي استطاع في فترة وجيزة أن يدير دفة التقدم والحضارة والخروج من مستنقع الحروب والويلات التي لم يجنِ منها غير الفناء. التجربة اليابانية جديرة بالاهتمام والتطبيق على جميع المستويات فما قام به الإنسان الياباني أشبه بالخيال، فهذه النقلة العالية الجودة تحتاج لوقت طويل جدا كي تثمر وتظهر بوادرها اليانعة، فالخروج من دوامة الحروب والدمار يحتاج لمعجزة حقيقية، ولكن أصحاب العيون الضيقة جعلوا من المستحيل لعبة صغيرة يحركونها كيفما أرادوا. لا أخفي عنكم مدى إعجابي بتلك المخلوقات البشرية التي لا تعرف حدا للطموح والإنجاز، فحياتهم مفعمة بالنشاط والحيوية لا يقترب منها الخمول والملل والترهل فكل هذه الأوبئة تؤدي في النهاية لمجتمع مهدود الفكر محطم الطموح لا يفكر لأبعد من تحت أقدامه المشلولة. من المؤسف أن نشاهد بقلوب منفطرة كل هذه الخطط الموضوعة من أجل الرقي والبناء تنهار مع مطلع كل شمس والسبب أنها جُعلت في يد مبتورة لا تقوى على غرس النماء فتاهت بنا مراكب البحث عن المستقبل وامتلأت حياتنا بسنوات الضياع فتبعثرت الأموال وانتشر الفساد وزادت الفجوة بين (ناس فوق وناس تحت). قرأت عن الإنسان الياباني فوجدت أنه يملك الكثير من القيم والثوابت التي نحتاجها في حياتنا كي نعمل بها ومنها أنه محب للعمل لدرجة التقديس، مؤمن بالجماعية لا يفضل العمل الفردي النرجسي، يفهم أهمية الوقت جيدا وفنون إدارته، يمتلك الإرادة والتحدي، يرفع راية التعليم والبحث العلمي، ولا يؤمن بالتفرقة الطبقية والعنصرية فالكل تقريبا في ذات مستوى الحياة المعيشية والأهم أن الياباني لم يفقد هويته التي ظل محافظا عليها. في هذا العصر ليس مهما أن نتحدث كثيرا عن منجزاتنا الوهمية التي لا تبارح الرفوف والمجسمات وحتى وإن بارحتها فإنها لا تلبث أن تنهار تحت أول زخة مطر تكشف المستور .. اللهم لا شماتة. لنتعلم وندع منجزاتنا هي من يتحدث عنا كما يفعل الإنسان الياباني. وكنتُ قد تابعت مقالات سفيرنا الأسبق لدى اليابان محمد بشير كردي (رحلتي إلى اليابان) فعرفت المزيد عن شعب الإرادة والتحدي فدعوت له في ظهر الغيب لأنه نقل لنا مشاهداته وتجربته الحية وليسمح لي أن أشكره باليابانية ولكن بحروف عربية .. (أريغاتو) سعادة السفير. ختاماً أقول للذين لم ينتبهوا للطوفان الشرق آسيوي المتمثل في الإنسان الياباني: انظروا حولكم ولا تتعجبوا وأنتم تشاهدون الهيمنة اليابانية قد دخلت بيوتنا بلا مقاومة وكأنهم يخططون لاستعمار من نوع آخر بعدما فشلت آلة الحرب من تحقيق طموحاتهم. لمحة عابرة يقول الفيلسوف أوشو: أنا لا أستطيع أن أعطيك الحقيقة، لا أحد يستطيع ذلك، ولكنني أستطيع أن أدلك أين تجدها. إنها لا توجد على القمر، ولا على قمة إفرست، بل في داخلك. [email protected]