قليل هم أولئك الذين ينتمون إلى الحقل العلمي وتحديدا في البحث التاريخي ممن يملكون العمق في التحصيل والمعرفة وممن يرتكزون على وعي حقيقي، هذا الوعي الذي هو بالضرورة ضد الجهل وعمى البصيرة قبل عمى البصر، وقلة هم أولئك الذين يثرون بأفكارهم وآرائهم ورؤاهم الجدل والنقاش ويزلزلون الثابت في الواقع الاجتماعي والسياسي والموروث التاريخي بحثا عن المتحول والمتحرك، عبر عقل خلاق، يضيء بالأسئلة ويشتعل بالحوار والمحاججة، ويشتغل على القضايا الكبرى في الفكر والإبداع. كمال الصليبي المؤرخ والباحث والمفكر اللبناني الذي رحل عن الدنيا قبل عدة أيام، كان من هؤلاء الذين قلت عنهم أعلاه، الذين يبحثون عن ضوء الحقيقة وسط العتمة والظلام. هو الذي كتب عن خفايا وأسرار التوراة، والذي أعاد قراءة التاريخ الديني عبر رؤية علمية وأكاديمية رصينة، تستند على البحث والتنقيب والتحقيب والذهاب بعيدا في الجذور التاريخية بالتوثيق، لا بالتلصيق والتلفيق. ومن هنا، كان كمال الصليبي يمثل تلك الشخصية الجدلية والسجالية، بدءا من كتبه التي أرخت لتاريخ لبنان الطائفي، التي تعد أحد المراجع المهمة في قراءة تاريخ لبنان الحديث منها «منطلق تاريخ لبنان» و«تاريخ لبنان الحديث»، إلى كتبه عن أسرار شعب إسرائيل، وغيرها، ثم سيرته الذاتية التي ذكر فيها استناده إلى كتب الشيخ حمد الجاسر، وعبد الله بن خميس، ومحمد أحمد العقيلي. وما ميزه أنه تجاوز في أبحاثه وكتاباته الأبحاث والكتابات التقليدية، حيث يرى بأهمية الاعتماد والاستناد إلى الآثار والوثائق، وهو ما أوجد له قاعدة واسعة من الاحترام والتقدير وسط الباحثين والمؤرخين الجادين الذين اتفقوا واختلفوا معه كثيرا في آن. إنك تجد في كتبه وأبحاثه وكتاباته الدقة والأمانة العلمية، وهو ما يفتقر إليه ويفتقده الكثير ممن ينسبون ظلما وعدوانا إلى حقل الدراسات التاريخية والعلمية في العالم العربي. إن من يريد قراءة النصوص التوراتية وتاريخ الحركة الصهيونية ثم دور الموارنة في لبنان، عليه بقراءة كتب المؤرخ والباحث والمفكر الراحل كمال الصليبي الذي لم يكن يعشق الأضواء، ولا يلهث ويجري وراء كاميرات التصوير والاتصال بالصحافيين لإجراء حوارات معه، كما هي عادة الصغار من الكتاب والأدباء، لكنه كان يعمل في معمل العلم والبحث، يقرأ ويحلل ويسافر في الأمكنة والأزمنة التي يكتب عنها. ومن هنا، تكمن أهميته العلمية العميقة والرصينة، كغيره من رهبان الفكر والمعرفة الذين ينتمون ويكتبون بحثا عن الحقيقة، في عالم عربي تتراجع فيه قيم الحق وتضيع فيه الحقيقة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 203 مسافة ثم الرسالة