بتقبلنا قضاء الله وقدره .. وبتقبلنا وصفنا البشري حين تنشر الحقيقة الوحيدة معانيها بسفور فاقع.. الأمر واقع واقع.. الحزن بجانبنا.. تواتر شعور الفقد والألم في المشهد للتو، إذ كنا نرغب أن نتلمس طريق الراحل المهني، ليس لأجل مجد يعيدنا جميعا للحظة بدء.. بل لتأكيد زمن محفور دائما في الماثل الأخير للسيرة. رحل محمد صلاح الدين.. غاب النموذج في التوليف بين صحافة الأمس وصحافة اليوم، والعالم المتجدد بنظريات الإعلام الحديث والإرث المهني الأساس. رجل تجاوز الصغائر وتمسك بماضيه وصراحته له، فتهيأ له الانتصار في عالم الأدب والخطابة والتجدد. عشقه كان عميقا للقلم والكتاب والمعرفة، فسمقت طموحاته التي بدأت أحلاما صغيرة إلى منجزات كبيرة يعترف بها واقع اليوم. رجل علمته التجربة عشق المهنة، وأعلت من قيمة زاويته الشهيرة «الفلك يدور» وكل كتاباته الراتبة التي أبرزته كأحد أوائل الكتاب الذين استحالت زاويتهم إلى نافذة متابعة تجس ثنايا الأحداث، وتعالج كل أزمة وعلة تلحق بخريطة العالم الإسلامي المستهدف. رجل هادئ الطباع، خفيض الصوت، بملامح تشع سماحة وقبولا أكسبته الحب والتودد. رحل الدندراوي... وكان إذ ينثر من ساعده مخزون الكلمة النافذة، يرفع مكتسب الذات إلى تأوجه مدركا أن في هذا تماهي الحق مع نفسه.. تسنده بلاغته وامتلاكه ناصية اللغة العربية والتاريخ الإسلامي، مستعيدا إصداره في المملكة المتحدة إبان الثمانينيات (أريبيا)، المجلة الإسلامية باللغة الإنجليزية. غياب محمد صلاح الدين حزن ثقيل، تفتته سيرة مزدهرة بمنجز ناصع. ونحن إذ نجتر كلماته إلى حروفنا، نرفع معاني عباراتنا ذاتها، لكن على يقين الحاضر الذي آلمه الغياب مستحضرا مآثره المهمة والبارزة في الساحات الأدبية، الفكرية، الثقافية، والصحافية. رصفاؤه ومجايلوه كانوا يحبون إنشاده بالكلمات، وكانوا يحبون كبد حقيقتهم فيه، فبين الحرف والحرف يتأرجح الجسد الغائب، بين نجم ونجم تنزف ذاكرتها الكتب. رحل محمد صلاح الدين .. ويبدو أننا، جميعا، لن نتحرر أبدا من سطوة الذكرى.. من الالتصاق الحزين مع ذات تجتر مخزونها عبر النسيان.. ولكن، لن يخبو «دوران الفلك» الدندراوي في صالات التحرير ودور النشر والانتشار. إن كنا نرى في ماحولنا مسحة انتماء تتشظى حين ينحصر الغياب في رمز مهني، فهي كل ما يفيضه الولاء في هذه الوشائج التي تنزف الآن له وبه. أغدق الله على الدندراوي مثوى ماثلا بالشاهدين في الفردوس نزلا. ميرغني معتصم