أعرف صديقا هو من أميز من عرفت في ترتيب أوقاته وتنظيم حياته، شديد في تعامله، دقيق في أموره، وهو اليوم قد تخطى الخمسين من عمره، لقيته قريبا فإذا به غاضب، قد شن هجوما على الأبناء من هذا الجيل حيث يصفهم بالعاقين فهونت عليه وقلت له: ما بك؟. قال: أتذكر الابن (وسمى اسم ابنه الأكبر)، قلت: نعم، قال: رفع يده علي! قلت: لا يمكن إنه تربيتك وتربيتك من أرقى ما عرفت من التربيات، إن في الموضوع شيئا ما؟ فقل لي ماذا حدث؟. إن صديقي هذا مع ما هو عليه من دقة في المواعيد والنظام والحياة إلا أنه شديد فذات يوم طلب من زوجته شيئا ما فتباطأت أو تأخرت فدخل عليها في حضرة أبنائها غاضبا ورفع يده ليضربها فإذا بالابن الأكبر يمسك بيده مبعدا إياه عن أمه فجاش بالغضب واعتبر هذا تعديا عليه وعلى أبوته وعقوقا ما بعده عقوق، وحيث إن صديقي كان ينتظر مني أن أنضم إليه في اتهام هذا الابن ورجمه بالعقوق إلا أنني قلت له بشيء من الهدوء متسائلا: طيب إنت ليه تضرب أمه؟ قال: هي زوجتي، فأكملت مباشرة أنا بقولي: وهي بالنسبة له أمه، فهل ترضى أن يضرب أحد أمك؟ فلجم وتلعثم وقال مرددا: هذا ابن عاق، قلت له: عاق لطرف ورضي لطرف آخر، فهززت كتفه لكي يستيقظ من نومه العميق الذي هو فيه، وقلت له: هذه أم، أتعرف ماذا تعني أم، كل من في الدار أبناء وبنات هم في صفها حتى نبي الأمة عليه الصلاة والسلام معها حيث يوصي عليها بقوله: أمك ثم أمك ثم أمك. إن الأم ليست شيئا هينا بالنسبة لأبنائها وبناتها وما ينبغي لرجل أو زوج بلغ الخمسين أو الستين إلا أن ينظر إلى أم عياله على أنها قمة شامخة، بل أسطورة الحياة بالنسبة له، فكم من بطن حملت وتعبت حتى أنجبتهم، كل واحد منهم تسعة أشهر محمولا في أحشائها، ويضغط على أنفاسها، حتى إذا حان يوم ولادته تألمت وصرخت حتى الموت، وأنت كأب تجيء لترى وتشاهد وتتسلى بهذا المولود الجديد، حتى إذا نشأ وترعرع وكبر وأصبح بين يدي أمه رجلا جئت أنت لتنال من أمه بضرب أو مد يد، إن من حقه أن يكف الأذى عن أمه ويبعد عنها الضرب، من حقك أن تضربه هو، لكن تضرب أمه هذا من رابع المستحيلات حتى ولو كان الحق معك، حتى لو أخطأت، إن الضرب مسلك حيواني بربري ما ينبغي أن يتعامل معه البشر، لذلك مما ورد عن نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام أنه لم يضرب بيده أحدا قط ولا حتى حيوانا.. إن العشرة بين الزوج وزوجته سجل تنام فيه ملفات الحياة، حلوها ومرها وكلها يغلفها لباس الستر. وما ينبغي في عمر متأخر من الحياة الزوجية أن ينال أي طرف من الآخر خاصة أن الطرفين محتاجان لبعضهما في هذه السن وما الشتم والضرب في مثل هذه السن إلا ترسيم لحدود جديدة للتباعد والانفصال التدريجي في حضرة شهود الحياة (الأبناء والبنات). [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 120 مسافة ثم الرسالة