سبحان الله أن أهمية بعض النعم الغذائية تظهر بوضوح خلال هذا الشهر الكريم. فكر في البطاطس وستجد أنها من النباتات الغريبة لأنها «غلبانة» إلى حد ما. قارن بين لون القمح الجميل الذهبي، والبطاطس المتربة، وقارن بين نمو نبتة القمح وسموها إلى الأعلى برأسها المرفوع، والبطاطس المسكينة التي تختبئ تحت الأرض وكأنها تخجل من أصولها. وبين مقاومة القمح للجاذبية ومداعبته للهواء الطلق، والبطاطس التي تخضع للجاذبية ولا تتعرض للشمس ولا للهواء. ومن الطرائف التاريخية أن بعض الحكومات الأوربية حرمت أكل البطاطس بسبب معتقدات دينية أن أكلها مقرون بمرض البرص لأن شكلها «المعجرم» قد يوحي بالأطراف المبتورة. وكان عدم استساغتها مقرونا أيضا بعدم ذكرها في التوراة والإنجيل كما هو الحال للقمح مثلا، ولذا فكان الاعتقاد أن لو كان فيها خير كمصدر غذاء لذكرت في الكتابين. وذهب بعض المفسرين في أوروبا إلى ما هو أغرب من ذلك فادعوا أن البطاطس من عمل الشيطان. وبقيت «مظلومة» ومنبوذة لفترة دامت أكثر من مائتي عام. وتحديدا فمنذ اكتشافها في القرن الخامس عشر في الأراضي الأمريكية على يد المستكشفين الإسبان، عادت إلى أوروبا أساسا كغذاء للحيوانات. ولم تستطع أن تنافس المحاصيل الغذائية الرئيسة الأخرى كمصادر أساسية للطاقة الغذائية الآدمية. ولكن بالرغم من كل هذا، أثبت العلم أن هذه النعمة تحتوى على الخيرات التي ننعم بها اليوم. وكانت إحدى نقاط التحول الحضارية الأساسية في نهاية القرن الثامن عشر عندما تعرضت أوروبا لمجاعة كبرى، فتنافس المبدعون على ترفيع شأنها لإثبات أنها تصلح للغذاء، بل إنها تستطيع أن تنافس المحاصيل الغذائية الأساسية الأخرى. ونجحت المحاولات فارتقى شأنها وأصبحت من أساسيات السفرة الأوروبية. وكان الاعتماد عليها كبيرا لدرجة أنها عندما أصيبت بوباء أهلك المحاصيل في منصف القرن التاسع عشر، حلت كارثة غذائية على أوروبا. وكادت أن تختفي البطاطس بالكامل مما أدى إلى مجاعات كبرى. وعلى سبيل المثال ففي إيرلندا توفي أكثر من مليون إنسان، وهاجر أكثر من مليون آخرين في فترة قصيرة إلى الولاياتالمتحدة هربا من الجوع. وتسبب ذلك في تغير التركيبة العرقية لأمريكا بأكملها. فضلا تأمل اليوم في الخصائص الجميلة لهذه، خصوصا قيمتها الغذائية الغنية بالطاقة والفيتامينات والمعادن. ولاحظ أيضا تنوع الأطعمة التي تنتج عنها. وللعلم فيوجد أكثر من خمسين نوعا من البطاطس وتنتج الصين أكبر كمية في العالم. والهند هي ثاني أكبر منتج. وأما الاستهلاك الأكبر فهو في أوروبا، حيث يستهلك الفرد حوالى ربع كيلو جرام يوميا. أمنية أعود إلى حيث بدأت لفضائل هذا الشهر الكريم الذي يذكرنا بأهمية النعم التي قد لا نشعر بأهميتها. نشعر بالجوع خلال النهار، ولكن في هذا الوطن الخير نضمن غذاءنا بيسر من بطاطس ومئات الأغذية الأخرى. وللأسف أن في العديد من الدول الشقيقة هناك من يعاني من جوع وحرمان لا ينطفئ عند غروب الشمس. أتمنى أن نساعد أولئك البشر المحرومين بتبرعاتنا، وفي دعائنا. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة SMSإلى 88548 الأتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة