هناك من يرى أن إشكالية فكرة العقلانية في المجال الإسلامي، تأثرت بما حصل في تاريخ الثقافة الإسلامية من تقدم الغزالي وتراجع ابن رشد، وما تولد عن ذلك من أزمة كانت لها في نظر هؤلاء، ارتدادات شديدة على مسارات الفكر الإسلامي في جميع مراحله وأطواره. وظلت هذه الأزمة حاضرة ومؤثرة على طول الخط، يتوقف عندها المؤرخون في دراساتهم التاريخية، ويتذكرها المفكرون في كتاباتهم الفكرية، ويرجع إليها المتكلمون في أبحاثهم الكلامية، وما زالت هذه الأزمة تحتفظ بهذا الارتداد إلى اليوم، وكأنها حصلت بالأمس القريب، وليس في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي. والانطباع الذي تشكل على أثر هذه الأزمة، أن الغزالي سدد ضربة موجعة لفكرة العقلانية في ساحة الفكر الإسلامي، جمدت فاعلية هذه الفكرة، وشلت قدرتها، وأعاقت نموها، وأطفأت شعلتها، وأدخلتها في أزمة طويلة امتدت إلى اليوم. هذا الانطباع تكرر وتواتر كثيرا في كتابات تاريخية وفكرية وكلامية، وأشار إليه العديد من الباحثين والمؤرخين العرب والمسلمين، وحتى الأوروبيين باحثين ومستشرقين، كانوا على قناعة راسخة به. ومن الذين أشاروا لمثل هذا الانطباع الكاتب المصري المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه (العقل في الإسلام)، الذي يرى أن الغزالي ختم على العقل الإسلامي نهائيا ودون رجعة، إلا بمراجعة كاملة من مسلمين علماء مخلصين للدين والإنسانية، يكون لديهم العلم والشجاعة لمواجهة تراث شمولي خاطئ. وبحسب هذا الانطباع، يكون الغزالي بفلسفته الصوفية قد تغلب في ساحة الفكر الإسلامي على ابن رشد وفلسفته العقلية، التغلب الذي كان إيذانا في نظر الدكتور محمود قاسم في كتابه (الإسلام بين أمسه وغده)، بالانتصار النهائي لأهل الجمود والتقليد، وبسببه بدأ النوم العميق الذي استغرقت فيه البلاد الإسلامية طيلة سبعة قرون، والذي ما زال باسطا ذراعيه على كثير من هذه البلاد حتى يومنا هذا. وبحسب هذا الانطباع في نظر الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (تكوين العقل العربي)، يكون الغزالي قد كرس وضعية العقل المستقيل، الذي يتسم بفقدان الثقة في العقل، في حين انتقلت فلسفة ابن رشد إلى أوروبا وخلقت هناك تيارا فكريا ثوريا حرك عجلة التقدم بالصورة التي مكنت العلم فيما بعد أن يقوم بدوره التاريخي في النهضة الأوروبية الحديثة. وفي منطق أصحاب هذا الموقف لو أن ابن رشد هو الذي تغلب على الغزالي، لكانت صورة الموقف تجاه فكرة العقلانية في المجال الإسلامي، مختلفة عما هي عليه اليوم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة