شهدت الأسواق العالمية عموماً وأسواقنا الخليجية خصوصاً ارتفاعا في الأسعار .. أسعار مواد البناء ارتفعت ارتفاعات ملحوظة خلال الربع الأول من العام الجاري وحسب التقديرات فإن الزيادة تصل إلى حوالي 37 في المائة، مقارنة بالأسعار التي كانت متداولة في نفس الفترة من العام الماضي، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار إيجارات المساكن والمكاتب والمحال التجارية. فهناك الكثير من التجار يفتعلون ارتفاع الأسعار وليس جميع التجار، وهناك تجار يقدمون خدمة للمجتمع وملتزمون بالأسعار ويحددون نسبا معقولة للربح تصب في مصلحة التجار والمستهلك، فلو التزم الجميع بذلك لظل ارتفاع الأسعار محدودا وعند سقف معين لا يمكن تجاوزه، ولن نجد التفاوت في الأسعار من محل إلى آخر، وهنا يمكن القول إنه ليس جميع التجار يرفعون الأسعار. هناك أسباب عالمية خارجية وأخرى محلية جميعها مرتبطة ببعض فكلما حدثت الزيادة العالمية انعكس ذلك على الأسعار المحلية، فهناك زيادة في أسعار مواد البناء أو المواد الداخلة في تصنيع المواد الأولية، وهذا بالطبع يؤثر على سعر المنتج النهائي، وتلك العوامل الخارجية لا يمكن التحكم فيها إذ أنها أسباب أو زيادة عامة، كما أن هناك أسبابا داخلية حدثت بعد الأسباب العالمية فاستغلها البعض وبالغ فيها وهي ارتفاع أسعار إيجارات المحلات والمستودعات والمكاتب التجارية. جميع تلك الأسباب يتحمل المستهلك جزءا منها لأن كل تاجر يحدد له نسبة فائدة لكن يجب عليهم مراعاة القدرة الشرائية للمستهلك. تكاليف الرسوم الجمركية تشكل نسبة بسيطة جدا لايمكن مقارنتها بارتفاع أسعار المواد الخام. ارتفاع أسعار مواد البناء أثر بشكل أو بآخر على عجلة النمو السكاني والتطور العمراني مما زاد من عناء المواطنين في تملك المساكن الخاصة بهم والتي تزيح عنهم هم الإيجارات التي أنهكت الأسر في الوقت الحالي، لذا لابد من توفير آليات الاستقرار التجاري وتوفير الأرض الاستثمارية الخصبة المناسبة للتجار المدعمة بالخدمات الحكومية لكيلا تكون هناك مبررات لارتفاع الأسعار أو على الأقل الإسهام في الحد من المبررات كما لابد من أن تكون هناك جمعية متخصصة أو لجنة لتثقيف التجار وزيادة وعيهم، عندها أعتقد أن الوقت سيكون مناسبا لتفعيل الرقابة بكل صرامة كما لا ننسى أهمية تثقيف المستهلك لكي يصل إلى درجة وعي المواطن في الدولة المتقدمة. تكمن خطورة الأزمة أنها حصلت في وقت إنشاء ال 500 ألف وحدة سكنية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين وزيادة القرض العقاري إلى نصف مليون ريال مما يعني أنها صادفت الطفرة العمرانية التي ستشهدها المملكة وبالتالي نجد أنها خطر يهدد المواطنين المستفيدين من القرض العقاري وفي رأيي أن الأزمة لغز يحتاج إلى حل سريع، أما سوق العمالة الوافدة فبدون أدنى شك أنه قد أصبح متعطشا وشبه متوقف وهناك محدودية في التراخيص لجلب العمالة النظامية مما تسبب في تشغيلهم بطريقة عشوائية غير نظامية وفتح المجال أمامهم للتحكم في أسعار السوق حتى أصبحوا شبه مسيطرين على الأسواق ويجب على الجهات المسؤولة أن تدرس وضع التراخيص وإمكانية زيادتها كما لا يجب اقتصارها على المقاولين فقط. وزارة التجارة وجميع الجهات الرقابية تسعى جاهدة للحد من ارتفاع الأسعار والتشهير بالمخالفين لها، كما حدث أن وزارة التجارة شهرت بالمغالي في الأسمنت والحديد وحددت الأسعار عند سقف معين كما حدد سعر كيس الأسمنت ب14ريالا. ولكن مع ذلك لم تصل إلى مستوى رضا المستهلك ويجب عليها بذل المزيد من الجهد ف «رضا الناس غاية لا تدرك». وعلى كل حال فإن التعاون لمراقبة الأسعار مطلوب من جميع الأطراف من الجهات الرقابية، من التاجر والمستهلك ففي نهاية الأمر نجد أن الجميع هم مستهلكون فالغلاء يعم أثره السلبي على الجميع. وبالإشارة إلى التقرير الصادر من وزارة التجارة والصناعة عن العوامل الداخلية والخارجية لارتفاع الأسعار كانت هناك تسعة عوامل داخلية أدت إلى ارتفاع الأسعار والمتمثلة في الأنظمة والإجراءات، الميناء والنقل، الجمارك، المختبرات، المواصفات، الغش التجاري، منافذ البيع العشوائية، الادعاء الطبي لهيئة الدواء، واتباع موظفي الحكومة الروتين التقليدي. ولقد أعلنت الوزارة تفويض مصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية تيسير عمل المختبرات الخاصة لحين تجهيز كادر وظيفي متخصص وهذا يعتبر تشجيعا من الوزارة للقطاع الخاص للاستثمار في مجال مختبرات الجودة النوعية ويسد العجز الناشئ بسبب محدودية المختبرات الحكومية وقلة الكوادر العاملة بها ويتيح فرصا وظيفية جديدة. لذا ينبغي على وزارة التجارة والصناعة وضع لائحة للفحص والرقابة على المختبرات الخاصة وإلزامهم بمعايير محددة للفحص حتى لا يكون هناك مجال للغش والتلاعب. كما نأمل من الوزارة معالجة العوامل الأخرى الثمانية حسب الأهمية النسبية أولا بأول مما ينعكس ذلك إيجابا في تخفيض أسعار السلع والخدمات.