نحن في رمضان، ورمضان هو شهر تلاوة القرآن وتدبره والخروج بالدروس العظيمة منه عن الله والكون والإنسان وهذه العلاقة التي لن يستطيع الإنسان أن يفهم كنهها من مصدر آخر. توقفت عند الآية الكريمة (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) (النساء 147) فطال عجبي لحجم التسامح والرحمة المبثوثة هاهنا، في هذا النص الكلي الذي لا تقيده الجزئيات، وطال عجبي من قنوط المقنطين من رحمة الله. نحن بحاجة لإعلان الكثير من الحمد هنا. كم هي الآيات الكريمة التي يرد فيها الأمر بالحمد ! لكن الحامدون قليل، وإن حمدوا فممارستهم للحمد لا تتجاوز الشفتين، فكم من مالئ معدته بالطعام، بعد صيام معظمه نوم، ينهض معلنا الحمد لله، وممارسته تلك لا تتجاوز أن تكون فعلا أجوف لا روح فيه. الحمد هو بوابة الخير كله، ففيه أداء لواجب شكر المنعم على فضله، وفيه شيء آخر هو ضمان الزيادة من الخير ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) وباستمراره ومداومة الإنسان عليه، ضمان للحياة الكريمة ولتدفق هذه الزيادة مدى الحياة وما بعد الحياة في الدار الآخرة، فلا يبقى عوز ولا حاجة ولا افتقار. غير أن الحمد يجب أن يستوفي شروطه فلا يكون أداء أجوف من بطن ممتلئ بالطعام، لم يتجاوز الشفة واللسان. إن استشعار الحمد يجب أن يكون من الروح متجلية في العقل والقلب، من الذهن والوجدان، من الشعور والحساسية، مضافا إلى اللسان. ولا يكون هذا الاجتماع إلا في شهود النعمة واستحضار الفضل وتمييز التفضيل. فإذا تم هذا، فاشهد به بلسانك مرسلا تلك الرسالة الإيجابية لكل من يسمع: بأنك ممتن لهذه النعمة. ولا يسمعن منك أحد إلا عبارات الحمد والثناء، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط. فالحمد مجلبة الرضا في هذه الحياة والحياة ما بعدها وليزيدن الله الشاكرين. والسخط رسالة سلبية لا يستجلب بها المحتاج إلا المزيد من الحاجة ولا يخرج منها الفقير والمحتاج والساخط، إلا بمزيد من الفقر والسخط في الدارين. إن الأمر كله يبدأ من العقل، وذلك بأن تضع عينيه على ما يستحق الامتنان في حياتك، على تلك الجوانب المضيئة وهي بلا شك كثيرة، فإذا رأيت عظيم فضل الله امتلأت نفسك بمحبته وشكره، فإذا بدأت فانطلق إلى التجوال بعقلك مما يزيد فيك هذا الشعور، ثم ابق هناك.