تشكل قضية الاستيلاء على ميراث المرأة من جانب أقاربها الذكور، أهم أشكال العنف الأسري الاقتصادي في المجتمع السعودي، في ظل التأثر بالعادات والتقاليد المحلية المتغيرة المتمثلة في الاستيلاء على حقوقها، وقد يرجع ذلك إلى تأثير المتغيرات الاقتصادية، خاصة انتشار القيم المادية التي هيمنت على العلاقات الأسرية. فيما تصدرت ساحات القضاء في كل يوم ما نسبته 30 في المائة من مشاهد تداعيات الانتهاك الصريح لحقوق الأنثى، كما تشهد أروقة المحاكم يوميا إقامة دعاوى قضائية من نساء حرمن من حقهن الشرعي في الميراث؛ بسبب طغيان سطوة الأهل عليهن وبالأخص الأخوة الذكور، لا سيما أن الذكور يجدون في العادات والتقاليد البالية ضالتهم المنشودة للانتفاع الجشع من الثروة التي تركها الآباء، إذ تعتبر الأعراف السارية في توريث الإناث وصمة عار على العائلة، وتلعب التنشئة الاجتماعية الخاطئة في الاعتلاء بالذكر على الأنثى دورا أساسيا في سريان ذلك المعتقد، ومن ثم فإن الملجأ التقليدي لهؤلاء النسوة هو ساحات القضاء التي لا تسعفهم نظرا للبطء الشديد في إجراءات التقاضي. «عكاظ» التقت بعض النساء للإدلاء بمعاناتهن في الموضوع: تقول (ر . ن) أبي تزوج من أمي الأجنبية، وبعد وفاته استولى أخواني على كامل الميراث، ولجأت والدتي إلى القضاء لأخذ حقها، إلا أن تهديد أخوتي لها بتسفيرها خارج المملكة جعلها تتراجع عن قرارها، وكنساء لسنا على دراية كافية بأنظمة المحاكم في المملكة، لاسيما أن والدتي لا تملك الجنسية ما دعانا إلى توكيل محام، وما زالت القضية قيد النظر. وبعيون تملأها الدموع، تضيف (ر.ن) «أبي يملك ثروة كبيرة ونحن نسكن في شقة لا يكفي دخلنا المتواضع في سد إيجارها، أما أخواني الذكور فهم يتمتعون بحياة كريمة». أما (ع.م) فأشارت إلى أنه بعد وفاة والدها غرر بهم أخوهم الأكبر بعمل توكيل كامل لتصفية التركة، وخدعنا وأخذ المال وتزوج من امرأة أجنبيه ثم سافر خارج المملكة، ولم يبق لنا من تركة والدنا إلا البيت الذي نقطن فيه، وسبق لعدد من الأشخاص أن تقدموا بدعاوى ضدنا إلى المحكمة إزاء اقتراض والدي مبالغ مالية منهم. وفي زيارة أخرى للمحكمة، التقت «عكاظ» نورة حسن التي تقول «أتيت إلى المحكمة بدافع رفع دعوى نفقة ضد والدي بعد أن قسم التركة بين أخواني الذكور دون أن ينالنا منها نصيب، لا سيما أن والدتي التي لا تحمل الجنسية السعودية، حرمت من الميراث دون وجه حق، ولم يكتف والدي بذلك بل عمد إلى طردنا خارج المنزل ما اضطرنا إلى الإقامة المؤقته في منزل جارتنا». من جهته، أوضح المحامي عبدالله الزهراني أن حقوق المرأة في الميراث وضحها الشارع الحكيم وحفظ حقوقها، ومن بعده جاء القضاء في بلادنا ليدعم موقفه، وبين الزهراني أن قضايا قسمة التركة تعد الأكثر في أروقة المحاكم الشرعية من طرف النساء، حيث إن بعضهن يتزوجن من أزواج يكبرنهن في السن، وبعد وفاة المورث يجتمع الورثة للاستيلاء على كامل التركة دون النظر إلى حقوق المرأة فيها. ولمواجهة تلك الظاهرة، أشار الزهراني إلى ضرورة معاقبة كل من يحرم المرأة من حقها الشرعي، وأن يكون رادعا لكل من تسول له نفسه استضعاف المرأة ونهب حقوقها بلا سبب والتأكيد على تفعيل الانظمة الصادرة في ذلك، إضافة إلى تنظيم حملات إعلامية عبر مختلف وسائل الإعلام للتحذير من مخاطر تلك الظاهرة.