من دون الأب، تحمل (الفصفص) على ظهرها، وتسير كيلومترات عدة يوميا، تفرش قطعة من قماش منذ الساعة السادسة صباحا، وتعود في آخر الليل ببضعة ريالات وكسرة خبز تطحنها مع الماء وتلقفها أفواه ثلاثة أطفال جياع. ليس الفقر هنا المشكلة، أم المشاكل أن أطفالها الثلاثة معاقون، فهم لا يتكلمون، ولا يمشون، ومتخلفون عقليا. عائشة علي أبو بكر (تشادية) تقيم نظاميا في حي البخارية وسط جدة، لديها ستة أطفال يعانون من ذات الإعاقة، لم تستطع رعايتهم، أرسلت الثلاثة الكبار إلى بلدها الأم وقلبها يتقطع حزنا عليهم، وخوفا على مصير هي متأكدة منه. قبل أن تغادر منزلها المتهالك تحرص على ربط أبنائها بالسلاسل خوفا من أن يؤذوا أنفسهم، إلى حين عودتها بقوتهم اليومي آخر الليل، وحتى تشرق الشمس لا تطعم عينيها المنام، إلا من نعاس يتغشاها وقوفا وقعودا. من قلة النوم تجرحت جفونها وهي تلحق بهذا وتمسك بذاك، والثالثة تضرب برأسها في أقرب ما يكون إليها؛ جدارا كان أو بلاطا حتى تدمى، وتدمي قلب أم كسيرة الجناح مكلومة بالضيم. محمد عوض الشهري (جار الأم التشادية) قال «تعاني والدة الأطفال المعاقين في جمع قوت عيالها دون رجل يساعدها على تربيتهم، ولفقرها الشديد فهي لم تستطع تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، ولم تجد بدا من تقييد اثنين منهما بالسلاسل كلما أطعمت أحدهما، ورغم أنها تعود منهكة آخر الليل من عملها، إلا أنها لا تستطيع النوم لتعالي صراخهم ومتطلباتهم الملحة في كل وقت». وأضاف «يتقاسم معها فقراء الحارة الطعام، ومع ذلك لا تجد في ثلاجتها المتهالكة سوى الماء والمسكنات التي تحقن بها أطفالها كل ما زاد بهم الألم وتعالى صراخهم». وقال «الغريب أن أطفالها البكم وأكبرهم في ال15 من عمره، تتعالى أصواتهم في آخر الليل بكلام غريب يستعصي على أمهم فهمه، وبقية الوقت لا ينطقون بكلمة، بل لا يستطيعون طلب ما يحتاجون إليه».