أنا على يقين من أن بعض السفهاء في وطننا العربي، سيقومون قريبا بتقليد ما قدمته لنا إحدى الفضائيات عما يحدث في اليابان، الدولة التكنولوجية الكبرى، وما أحدثته الزلازل من تغيير في سلوكيات الأفراد، إذ ثمة زلازل اجتماعية تجتاح اليابان لتجاوز حالات عدم السعادة التي يشعر بها اليابانيون، وقد انعكس ذلك في «موضة» يابانية جديدة، لكنها هذه المرة لا علاقة لها بالتكنولوجيا، بقدر ما تتعلق بالمفاهيم التي تبنى عليها الأسرة في هذا العالم، وفي اليابان تحديدا، بلد العجائب والغرائب. حفلات طلاق لا تقل بهجة وصخبا عن حفلات الزواج، يرتدي فيها الزوجان ملابس جديدة كملابس أي احتفال كبير، ثم يتم تحطيم خاتم الزواج من قبل الزوجين، أو إلقائه في أفواه الضفادع، وفقا لبعض المعتقدات اليابانية. والسبب في ذلك كما يزعمون، هو أن لا يتحول الطلاق إلى مناسبة حزينة، وحتى يذكر الزوجان بعضهما بالخير!!. البعض يرى في هذا الحدث ترويجا للطلاق عالميا، مع أن الطلاق ينبغي ألا يروج له، فهو علاج مرير، لابد منه، عندما يفقد الزوجان كل أمل في حل مشكلاتهما وعلاجها. وإذا كان الحدث في حد ذاته مثيرا للدهشة، ومدعاة للتعجب، فإن تعليق أساتذة في علم الاجتماع في إحدى الجامعات العربية، وعلى نفس القناة الفضائية، أكثر دهشة وعجبا، إذ اتضح كما بدا للمشاهد المسكين رضاها عن تلك النهاية على هذا النحو، بدلا من النهاية المأساوية كما قالت بالنص للطلاق في بلادنا العربية، نتيجة المجتمع الذكوري وسيادته على الحياة، وكيف يجنح الرجل والمرأة إلى تشويه صور بعضهما بعد الطلاق. فهي بنص كلماتها ترى أن الطلاق في بلادنا «غير حضاري»، بينما الطلاق في بلاد الغرب، وفي اليابان، طلاق حضاري. سخف وبلاهة واستخفاف، عندما نصف وضعا دينيا، بأنه غير حضاري، ودعوة للسفهاء منا إلى أن يكونوا «حضاريين»، وأخشى ما أخشاه أن تتسرب هذه «الصورة الحضارية» للطلاق إلى مجتمعاتنا، فيفاجأ المرء منا في صندوق بريده بدعوة على ورق مخملي، لحضور حفل طلاق صديق أو قريب له في أفخم الفنادق وأكبرها، وكما نتنافس دائما في حفلات الزواج وغيرها. ونظرا للكرم العربي الحاتمي، فإننا نتوقع أن تعد الولائم، وتعلق الأنوار والزينات، احتفالا بهذا الحدث. فما يحدث في اليابان من حفلات الطلاق، هو في اعتقادي «شذوذ فكري» و «انحراف اجتماعي»، ولو كان الطلاق مدعاة للاحتفال والبهجة والسرور، لحببت فيه الديانات ولرغبت فيه ودعت إليه، ونحن نعرف وإن كان في الحديث كلام أنه أبغض الحلال، وإن النصرانية مثلا لا تبيح الطلاق إلا لعلة الزنا، فما يحدث في الغرب لا علاقة له بأية ديانة أو فكر قديم.