بعد دخول مصر عهدا جديدا على كل المقاييس، ثمة تساؤلات ملحة على الساحة السياسية المصرية، منها هل هناك ثورة على الثورة؟ وهل مليونية 8 يوليو 2011 كانت ثورة جديدة؟ وهل استخدمت عناصر الثورة المضادة تظاهرات 8 يوليو لتعود مجددا للانقضاض وتطرح سيناريو للفوضى تستطيع من خلاله تنفيذ مخططها في إجهاض الثورة؟ هل ساهمت تظاهرات 8 يوليو في المزيد من التباعد بين الثوار وجموع الشعب التي ترغب في الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها؟ تتداول أوساط الشباب المصري الحديث عن مخططات الثورة المضادة، للنيل من تطلعات ثورة 25 يناير، وذلك فى إطار مجموعة سيناريوهات متداولة يبدو بعضها منطقيا، ولكنها في الحقيقة تفتقد للتناسق الفكري، فهي تضم مجموعة من الأحداث غير المرتبطة عضويا فيما بينها بهدف إثارة الفزع من انهيار الثورة لتكون هذه السيناريوهات نفسها جزءا من الحملة الدعائية لما بات يعرف ب«الثورة المضادة». وفى علوم السياسة يبدو الفارق ضئيلا لكنه جوهري بين استمرار التوتر السياسى بهدف استكمال تنفيذ مطالب الثورة بشأن النظام القديم وكيفية إحلال نظام بديل محله من جهة، وبين استمرار التوتر السياسى بهدف أكبر قدر من عدم الاستقرار يحول بين بناء النظام الجديد وإبقاء «السخونة السياسية» التى تحول بين وصول الثورة إلى مرحلة الاستقرار المطلوب لإعادة بناء النظام الثورى الجديد، وفق تطلعات مصر الجديدة. ما بعد مبارك. من جهة أخرى، يعتقد قطاع كبير من الثوار المعتصمين فى ميدان التحرير أن النوع الثانى لا يصب سوى فى خانة القوى الدولية المعادية لمصر واستقرار ثورتها، لكنهم لا يجدون بدا من الضغط على المجلس العسكرى وحكومة الدكتور عصام شرف لاستكمال تنفيذ بقية مطالبهم إيمانا بأهمية النوع الأول من حالات التسخين السياسى المحسوب وصد هجمات أنصار الثورة المضادة فى الداخل. والثورة المضادة تتمثل فى محاولات متكررة ومستميتة من أنصار النظام القديم لاستعادة قواعد عمل هذا النظام بدلا من أشخاصه، ويعني ذلك في مصر عودة سطوة المؤسسة الأمنية واستمرار مناخ الفساد المالي والإداري في كافة المؤسسات ضمن عملية تحميها وتستفيد منها العناصر المرتبطه بالنظام السابق. وكان التجلى الأبرز لهذه المحاولات، فى أحداث الهجوم على مبنى وزارة الداخلية والاشتباكات بين الشرطة والشعب فى قلب ميدان التحرير فجر الثلاثاء 29 يونيو الماضى والتى أسفرت عن إصابة المئات بجراح. وفي مصر الآن ماذا نرى؟! توجد في مصر بالفعل ما يمكن تسميتها بقوى الثورة المضادة ولكنهم في حالة نشاط محدود بسبب هزيمتهم الكبيرة أمام قوى الثورة الحقيقية. الصراع بين الثورة ورموز النظام السابق تعمل قوى الثورة المضادة باستخدام أسلحتها الأضعف وهي الإعلام والشائعات على إعادة الشرطة بدون محاسبة الفاسدين والقتلة وكل من تعدى على الشعب بالتعذيب والعنف أو اعتاد أخذ الرشاوى سواء أثناء الثورة أو قبلها، تريد قوى الثورة المضادة استعادة مكانتهم وقيمتهم عبر شعار «عفا الله عما سلف» وبدون إعادة هيكلة لوزارة الداخلية بما يضمن إلغاء الأمن المركزي ووضع وزير مدني على قمة هرم الشرطة. عودة الشرطة بدون محاسبة سيكون هو الانطلاقة الحقيقية للثورة المضادة لأنه سيضع تحت يد هذه القوى رجالا مدربين على القتل؛ شرسين، ولا يحملون أي ضمائر تقريبا، ويسعون لاستعادة النظام القديم. تعمل قوى الثورة المضادة كذلك على الترويج لضرورة العودة للإنتاج وعودة الحياة لطبيعتها باعتبار أن هناك «قوة خفية» أو «رئيس عادل» سيأتي ويقوم بتحقيق مطالب الثورة، وهنا ثاني نقاط الخطر، فجوهر الثورة هو العمل الجماعي من أجل استعادة الحقوق في مواجهة القهر والظلم والفساد، وكان هذا جوهر اعتصام التحرير والمظاهرات المليونية، والغريب أنه جوهر الإضرابات العمالية و«الاحتجاجات الفئوية». والحقيقة عكس ذلك، فالواقع أن نظام «مبارك» ترك «مبارك صغير» في كل مؤسسة أو شركة ينشر الفساد ويقيم دعائمه ويسرق المؤسسات أو يسهل سرقتها لأعوانه، وعندما حققت الثورة أول نصر كبير لها بتنحي مبارك تشجعت القطاعات التي جبنت وتقاعست عن المشاركة في الثورة لتحاول الآن تعويض ما فاتها بعمل ثورات صغيرة تطالب فيها بنفس مطالب الثورة الكبرى، فهي تحارب الفساد وتطالب بالعدالة الاجتماعية (على طريقتها طبعا)، ويضرب الكاتب محمد البعلى فى صحيفة «العالم اليوم» الاقتصادية المتخصصة مثالا من قطاع البنوك، حينما ثار موظفو كل بنك على حدة مطالبين بتغيير القيادات التي يرتبط أغلبها بلجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم سابقا، أي بجمال مبارك وأحمد عز تحديدا، كما طالبوا بجعل الأجور أكثر عدالة عبر رفع أجور الموظفين الصغار ووضع حد أقصى للأجور، فماذا كان رد فعل فاروق العقدة محافظ البنك المركزي الذي عينه مبارك؟! قام العقدة بإغلاق البنوك وهو إجراء تخريبي لو تم في أي دولة بدون قرار سيادي لتعرض من قام به للمحاكمة وأكد أنه مستعد للتفاوض على كل الأمور إلا رحيل القيادات!! ويدرك الثوار أن قوى الثورة المضادة الممثلة في رجال الأعمال ورؤساء الشركات والمؤسسات الحكومية الفاسدين وضباط الشرطة المتورطين في الفساد والقمع في حالة هزيمة الآن، وليس أمامهم إلا التخفي واستخدام دعاوى الاستقرار، والعفو عند المقدرة، وعودة الإنتاج لحين استعادة قوتهم ليبدأوا حربا علينا ليعيدوا النظام القديم، وستكون هذه هي الثورة المضادة فعلا. ويرى شباب الثورة أنه لكى تتم هزيمة قوى الثورة المضادة يجب القيام بمجموعة خطوات من بينها: الإطاحة بكل مسؤول فاسد ومحاسبته، بكل الوسائل وأهمها الضغط من خلال الإضرابات والاعتصامات. الدعوة لتجميد أرصدة كل رجل أعمال فاسد أو من أعوان نظام مبارك لحين معرفة مصدر هذه الأموال. الدعوة لتشكيل لجنة تبحث شكاوى كافة المواطنين عن أي تجاوزات للشرطة خلال الأعوام ال30 السابقة وإحالة المسؤولين عنها للمحاكمة، خاصة أن التعذيب لا يسقط بالتقادم بحسب القانون المصري، وذلك بالتوازي مع قرارات حل مباحث أمن الدولة والأمن المركزي وإعادة هيكلة الشرطة. وقد تجلت فى مليونية 8 يوليو التى أعقبها اعتصام بعض المشاركين وإصرارهم على احتلال ميدان التحرير والمبيت فيه، بل ودخول 13 مشاركا شابا (11 شابا وفتاتان) فى إضراب شامل عن الطعام منذ فجر التاسع من يوليو وحتى الآن حالة من حالات الاحتجاج على مارسات الثورة المضادة والمطالبة باستكمل تنفيذ مطالب لثورة. ومن جانبها شنت بعض وسائل الإعلام المصرية هجوما شرسا على الثوار واتهمتهم باتهامات من شأنها تشويه صورتهم وصورة الثورة فى عيون الناس، وأصدرت صفحة «ثورة الغضب المصرية الثانية» بيانا أعربت فيه عن رفضها لما اعتبرته هجوما شرسا على المعتصمين في كافة ميادين مصر، واعتبر البيان ما ينسب للثوار المعتصمين من قطع بعض الطرق وإغلاق مجمع التحرير وغيره من الأعمال هي تصعيد يمكن تفهمه في سياق ما جاء من استخدام السلطات لسياسة التجاهل تجاه المعتصمين واعتزام تركهم في الميادين حتى ينصرفوا دون تحقيق مطالبهم.