في ظاهرة لافتة للأنظار، استبقت غالبية المحلات التجارية دخول شهر رمضان بالإعلان عن تخفيضات وصفتها بالحقيقية، تصل إلى 80 في المائة، لكسب الزبائن وتعويض فترة الركود التي واكبت الاختبارات على حد قول أصحابها. لكن المثير في الأمر أنه رغم قناعة وزارة التجارة والغرف التجارية بالغش والتدليس الذي يواكب بعض هذه التخفيضات، لم نسمع عن رفض الجهات المختصة في الغرف التجارية منح تصريحات بالتخفيض لأي محل طالما كانت أوراقه مستوفاة الشروط ولو على الورق. وتساءل خبراء الاقتصاد عن حقيقة وجود تخفيضات تصل إلى 80 في المائة، لأن ذلك يعني أن النسبة الباقية 20 في المائة غطت السعر وربح التاجر ومختلف التكاليف التشغيلية الأخرى، مؤكدين أن هذه النسبة وهمية بكل تأكيد لأن أحدا لن يبيع بخسارة في أي سوق. في فترة سابقة كانت المحلات التي تحصل على تصاريح بإجراء تخفيضات لفترات محدودة قليلة للغاية، ولكن الصورة انقلبت مؤخرا وباتت 90 في المائة من المحلات تحصل على هذه التصاريح ولفترات تمتد طوال العام بدعاوى مختلفة. في الحلقة الثالثة من ملف الأسعار نسلط الضوء على قضية التخفيضات، وكيف ينظر إليها المستهلكون والخبراء والباعة على السواء. بداية، قال سالم القرني: لم تعد تغرينى كثيرا كلمة تخفيضات بنسبة 50 في المائة أو 60 في المائة لأن العاقل يدرك صعوبة أن يقبل التاجر بخسارة في ظل ارتفاع أسعار السلع من المصدر وزيادة الإيجارات ورواتب العاملين وغيرها من النفقات غير المنظورة، وهي تكاليف يتحملها المستهلك. وأضاف « دخلت محلا أعلن عن تخفيضات قدرها 30 و50 في المائة من أجل شراء بعض القمصان لابني وفوجئت بالسعر بعد التخفيض 90 ريالا وبعد أمتار قليلة دخلت محلا مجاورا وجدت نفس الأنواع بأسعار أقل بنسبة 30 في المائة على أقل تقدير». وأضاف: غالبية المحلات تعمد قبل إجراء التخفيض إلى رفع الأسعار بمعدل الضعف ثم تتجه إلى الغرفة التجارية من أجل الحصول على تصريح بالتخفيض الذى يتراوح بين 30 و70 في المائة لنجدها في النهاية قد باعت السلعة بأكثر من ثمنها الحقيقى 30 في المائة وهي لعبة لم تعد تنطلي على الذين خبروا دهاليز السوق. من جهته، قال ثامر الغامدي إنه سعد كثيرا عندما عثر على محل اشترى منه عدة مكيفات شباك 24 ألف وحدة بسعر 1600 ريال وأنفق أكثر من 500 ريال على النقل والتركيب، ولكن لم تمض عدة أيام عندما رأى إعلانا بالصدفة عن شركة تبيع نفس المكيفات مع التوصيل والتركيب بسعر 1450 ريالا للوحدة وذلك ما يعنى خسارته 1000ريال في هذه العملية البسيطة خاصة أن البائع في المحل الأول أقنعه بحديثه المعسول أنه أجرى له التخفيض المناسب بل أكرمه كثيرا في السعر. وأوضح أنه تعلم درسا قاسيا من هذه التجربة مفاده عدم التهور والشراء سريعا بدعوى وجود تخفيضات من عدمه قبل أن يقوم بجولة هادئة على السوق للحصول على أفضل سعر وتخفيض حقيقي وليس وهميا. وأبدى قناعته التامة بأن التخفيضات تهدف بالدرجة الأولى إلى تصفية الراكد من السلع طوال العام وأن السلع القوية ذات الجودة والاسم الجيد في السوق ليست في حاجة إلى الإعلان عنها أو تخفيض أسعارها، لكنه أقر في المقابل بوجود ضعف في الجودة في مختلف المنتجات بداية من السيارات وحتى الشاي الذي يتم غشه بنشارة الخشب جهارا نهارا. نعم لتخفيضات معقولة ومن وجهة نظر مغايرة، قال المواطن علي الزهراني إن كثرة تجوله في الأسواق جعلته على دراية كبيرة بطبيعة التخفيضات، نافيا أن تكون جميعها وهمية. وأضاف بعض التخفيضات على الملابس من الماركات الشهيرة حقيقية وأنه ينتهز الفرصة للاستفادة منها باستمرار. وقال إنه يؤيد التخفيضات المعقولة على السعر الأساسي بنسبة 30 في المائة على أكثر تقدير ولايميل إلى المالغات التي ترى وجود تخفيضات بنسبة 80 في المائة. ودعا إلى التحرر من أي ضغوط عند اتخاذ قرار الشراء وأن يكون السعر الجيد مع الجودة هما المحفز الرئيسي لذلك. وطالب المحلات بالتوسع في الإعلان عن التخفيضات نظرا لاختلاف الأذواق واختلاف الظروف المالية لكل شخص من شهر إلى آخر. خداع المستهلك تركنا معاناة المتسوقين واتجهنا إلى الباعة في المحلات التجارية، فقال محمد عبدالرحمن في محل لبيع الملابس إن تخفيضات رمضان التي بدأت مبكرا هذا العام تستهدف الاستفادة من موسم السياحة الحالي من خلال التخلص من البضائع الراكدة طوال العام حتى نبدأ طرح الموديلات الجديدة للعديد في النصف الأخير من رمضان. وأقر بأن التخفيضات فيها نوع من التضليل للمستهلك لتباين النسبة المسموح بها من 10 و 70 في المائة حسب الزبون والكمية، مشيرا إلى أن غالبية التخفيضات وهمية الهدف منها استقطاب الزبائن لدخول المحل، موضحا أن التخفيضات توضع على سلع محدودة فقط عانينا من تصريفها طوال العام. وأوضح أن ما يجرى يخالف المنطق ويشير إلى أمر خطأ، لأن التخفيضات تنشط فقط في مواسم الركود في حين أن رمضان والعيد تسجل معدلات شراء فوق العادة. وأوضح أن نسب التخفيضات تختلف من سلعة إلى أخرى حسب السوق والجودة في ظل التوسع في منح توكيلات التصنيع في دول مختلفة مشيرا إلى أن العملاء ينقسمون إلى قسمين رئيسيين في الشراء النوع الأول وهو يمثل نسبة محدودة يهتم بالماركات الأصلية والجودة في السلعة بغض النظر عن السعر، والنوع الآخر يبحث عن التخفيضات في أى مكان يوميا ويسيل لعابهم لها حتى لو كانت غير حقيقية. تحول أذواق ومن جهته قال المستورد عبدالله باسالم: هناك تحول جذري في أذواق غالبية المستهلكين في أسواق محلات الملابس على وجه الخصوص بعد التوسع الكبير في السماح بدخول الماركات العالمية إلى الأسواق مقارنة بالسابق. وأوضح أن هذه المحلات استقطبت نسبة مبيعات عالية بلغت 30 في المائة في فترة وجيزة من كعكة السوق، مشيرا إلى أن موردي هذه الماركات يتمتعون بخبرات تسويقية عالية ويقترحون الفترات المناسبة للتخفيضات، وقد ساهم في إنعاش سوق التخفيضات بشكل كبير وتغيير نظام التخفيض حاليا الذى يسمح بإجراء التخفيضات لمدة 90 يوميا على (3) فترات وبالتالي ما تكاد تنتهى فترة حتى يتم الإعلان عن أخرى وكأن العام بات كله موسما للتخفيضات. وأشار إلى أن النظام القديم لم يكن يسمح سوى بإجراء التخفيضات لمدة 45 يوما وعلى فترتين فقط. وأقر بأن المنافسة في السوق باتت شرسة للغاية وأن البقاء فيه يستلزم البحث عن وسائل مبتكرة للتسويق وتقديم تخفيضات جدية للزبائن لكسب ولائهم للمنتج. تزوير الفواتير إلى ذلك، قال الخبير ربيع جميل مطر: إن هناك ملاحظات عدة على التخفيضات المعلنة تشير إلى وجود تلاعب في الفواتير التي يتم على أساسها احتساب الخصومات، داعيا المسؤولين في وزارة التجارة والغرف التجارية إلى ضرورة التقصي عن الأسعار من بلد المنشأ والمصنع والدول المجاورة أيضا، مطالبا بضرورة فرض غرامات مشددة على المتلاعبين في الفواتير لتعظيم أرباحهم من خلال تخفيضات وهمية تقوم على التلاعب والتدليس. وأوضح أن التخفيض الذى يمكن أن يشعر به المستهلك هو الذي يتم على أصل السلعة ونسبة الربح لا التخفيض المفتعل جراء التلاعب في الفواتير. واستغرب تركيز التخفيض فقط على السلع الرديئة دون الجيدة التي تبيع نفسها بنفسها كما يقولون. وأشار إلى أن الشكاوى من التخفيضات الوهمية تتكرر في كل موسم دون أن تأخذ الجهات الرسمية إجراءات فاعلة للحد منها مستغربا في السياق ذاته إجراء بعض المحلات التخفيضات طوال العام رغم منحها لفترة محدودة الأمر الذى يعنى عدم اكتراث بالمسؤولين في الغرف التجارية ووزارة التجارة. مقاضاة المتلاعبين وأكد أحمد القحطاني على خطورة التخفيضات الوهمية على مصداقية السوق السعودي الذي يشهد قوة شرائية عالية لوجود أكثر من (8) ملايين مقيم يحرصون على شراء احتياجاتهم وهدايا لذويهم أثناء الإجازات السنوية. وطالب بضرورة تقديم المتلاعبين في التخفيضات إلى القضاء لمحاكمتهم بتهم التزوير والتدليس في محررات رسمية مؤكدا قناعته التامة بوقوع مخالفات عديدة نتيجة عدم تدقيق جهات منح تراخيص التخفيصات بالفواتير المقدمة لها. وتساءل عن دور جمعية حماية المستهلك ومؤسسات المجتمع المدني في الحد من الممارسات السلبية في أسواقنا والتي غالبا ما تأتي على حساب المستهلكين الضعفاء. وانتقد قرارات الشراء في اللحظات الأخيرة, داعيا إلى أهمية تعلم سلوكيات الشراء الرشيدة التي تضمن الحصول على السلعة بسعر مناسب. وأضاف أن القول بوجود تخفيضات حقيقية شاملة في المحلات والأسواق عموما يعد ضربا من الخيال لارتفاع الأسعار وكلفة التشغيل في السنوات الأخيرة.. ودعا المتسوقين إلى أن يكون لهم صوت في السوق لأنهم الجزء الأهم في المعادلة وذلك من خلال العزوف عن شراء السلع التي يبالغ التجار في رفع أسعارها والتقدم بشكاوى في حالة الشعور بوجود تجاوزات في البيع وأنه لا ينبغى أن يكتفي المشترى برؤية تصريح التخفيض فقط بل يتأكد من النسب المعلن والعبارات الفضفاضة للتخفيضات ومدة التصاريح. ووصف سلوكيات غالبية المتسوقين بالسلبية مما يؤدى إلى ضياع حقوقهم في معظم الحالات.