اجتمعت على منضدة في داره بطاقات دعوة لولائم أفراح لأصدقاء وأقارب، إنه حريص على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بإجابة الداعي لوليمة العرس، لكن تخوفه من السهر في تلك الحفلات وما يترتب عليه من تخلف عن الوظيفة صبيحة ليلة الدعوة يثبطه عن إجابة الدعوات لقد تذكر إنه سار إحدى الليالي بسيارته بعد صلاة العشاء بساعة إلى صالة أفراح مجيبا دعوة أحد أقربائه، انتظر الدعوة إلى مؤدبة العشاء ،وبعيد منتصف الليل بقليل قدم العشاء، غير أن صاحبنا لم يكن الباعث لانزعاجه تأخر العشاء المقدم للرجال فحسب، بل إن غاية حرجه تكمن في أنه اصطحب زوجته مجيبة دعوة والدة العروس. وقد أيقن أن عشاء النسوة ربما يكون قبيل الصبح بيسير، صابر هو وثلة معه منتظرين التفريج عنهم، طوى السهر والضجر حلاوة سمرهم وطيب أحاديثهم. وبعد أذان الفجر خرجت النساء. عاد صاحبنا إلى داره بعد أن صلى الفجر في المسجد، جلس في حجرة نومه متفكرا هل أمضي إلى مكتبي أم أتغيب عن عملي، تنازعه خوفه من تضرر المراجعين بغيابه وإطباق النعاس عليه، لم يدعه النعاس يفكر كثيرا لقد غشيه طائفه وأطبق عليه سبات عميق ولم يستيقظ إلا قبيل الظهر مع تتابع اتصالات الزملاء ليسألوه عن معاملات وملفات ومجريات وظيفية، نهض جامع قواه فوقع بصره على تلك البطاقات المجتمعة على منضدته. أحبتي القراء من المعلوم أن إجابة دعوة وليمة النكاح واجبة وهذا هو مذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة ومن أدلتهم على الوجوب ما روى (ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) رواه الشيخان (وفي لفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها) رواه الشيخان (عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري في صحيحه. أحبتي القراء، لكن هناك مسألة يسأل عنها كثير من الناس فيقول أحدهم إنني لم أدع من الداعي تعيينا لأن بطاقات الدعوة لم يكتب الداعي اسم المدعو بخطه فالذي يكتب في الغالب وكيله أو قريبه وهذا يجعلنا نطالع كلام لابن قدامة في المغني حول هذه القضية، حيث يقول رحمه لله «وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بأن يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين فإن دعا الجفلى بأن يقول يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة، أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو من شئت، فلم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء». قلت وتأمل أيها القارئ الموفق قول ابن قدامة «ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته» قلت وهذا يرشدك إلى مناط إجابة الداعي هو جبر خاطره وإدخال السرور عليه ولا يكون الوجوب حاصلا إلا إذا عين الداعي المدعو بأن هاتفه أو لقيه فدعاه أو كاتبه بخطه أو أمر رسوله أو وكيله بدعوته عينا. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد بالمدينة وخطيب جامع الخندق [email protected]