تظل العلاقة بين المرأة والقبيلة في وقتنا الحاضر علاقة سلطة مجتمعية قوية لا تغض الطرف عمن ينتسب إليها، فتتسامح معه أو معها باقتراف أو القيام بما يخالف تلك القوانين الصارمة داخل تلك المنظومة القبلية، وتبلغ حالة التوجس والخوف ذروتها عند تلك المرأة التي تنتسب إلى القبيلة! أعود إلى بداية حديثي.. إن ما نعيشه اليوم من علاقة تسلط وخوف بين القبيلة والمرأة هو وليد 30 سنة مضت فقط، أما ما قبل ذلك التاريخ فالوضع مختلف جدا، فالحالة طارئة لم تعهدها تلك العلاقة في غابر السنين، ولن أخوض في السرد التاريخي لتلك العلاقة، لأن ذلك موضوع دراسة علمية لا مكان لها هنا، ولكن سأذكر ما يؤكد ما أذهب إليه من خلال مظاهر نعايشها ونراها ولكننا لا نقف عندها للتأمل والتحليل حتى نفهم واقعنا ونعي ماضينا، لنرسم مستقبلنا أو على الأقل نستشرف ما نحن مقبلون عليه. ما دعاني للتفكير هي تلك الرحلة الثقافية التي قام بها «نادي الطائف الأدبي» الأسبوع الفائت إلى منطقة «بجيلة بني مالك» والتفكير حول اسم «بجيلة» وهو اسم لامرأة، ذلك ما يؤكد ما ذهبت إليه من تكريم وإعلاء من شأن المرأة قديما داخل القبيلة، فعندما يقترن اسم امرأة (بجيلة) باسم قبيلة ويأتي (بني مالك) العلم على القبيلة تاليا لها، نكون أمام حالة ثقافية مهمة تعلن أن القبيلة تكرم وتعلي من شأن نسائها. وما نراه ونلمسه الآن هو حالة طارئة غير أصيلة في ذلك النسيج القبلي المميز، من عدم ذكر اسم المرأة عيبا، أو ترديد «أكرمك الله» بعد ذكر اسمها! تذكر بعض المصادر والمراجع التاريخية حول اسم (بجيلة) «وأمهم (بجيلة) التي اشتهروا وعرفوا باسمها وهي: بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد (وهو الأزد) بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ من قحطان. والجدير بالذكر أن اسم (بجيلة) يعني (عظيمة القدر) طبقا للمراجع المتعلقة بمعاني الأسماء ومنه التبجيل وهو التعظيم، علما أن هناك عدة قبائل أخرى تشتهر باسم الأم منها على سبيل المثال لا الحصر: خفاجة وسلول وباهلة وبسة وجديلة وعاملة ومزينة وغيرها». ما نحن بصدده من تكريم القبيلة للمرأة، يرجعنا إلى ظاهرة أخرى، وهي نسبة أشراف العرب وملوكهم إلى أمهاتهم بعيدا عن الدونية في النسب أو الاتهام بعدم شرعية ذلك الابن، يظهر ذلك في حالتي، عمرو بن هند وعمرو بن كلثوم، والحادثة الشهيرة من إهانة أم عمرو بن هند لأم عمرو بن كلثوم، وقد دفع عمرو بن هند حياته ثمنا لصرخة أم عمرو بن كلثوم، وتسطيره لمعلقته المشهورة بعد تلك الحادثة «ألا هبي بصحنك فاصبحينا» ليبقى الباب مشرعا لدراسات علمية جادة حول هذه الظاهرة: احترام الفكر القبلي للمرأة.. فماذا حدث بعد ذلك؟ [email protected]