هذه المقالة تهتم بإلقاء الضوء على البعد الغائب في سياسات أو إجراءات السعودة الجديدة بمسماها الجديد (نطاقات) ولا تتعرض لشرح أو تقييم هذه الإجراءات وتأثيراتها على الاقتصاد المحلي فهذا شأن آخر سأناقشه في الوقت المناسب. كما يجب توجيه عناية القراء الكرام إلى أن هذه المقالة لا تعني بأي حال من الأحوال اتخاذ موقف سلبي من الإجراءات الجديدة أو التخويف من نتائجها على المستوى الدولي، ولكن هدفها هو التنبيه ولا أكثر من التنبيه إلى بعد مهم كان لا بد من أخذه بالاعتبار لأن العلاقات بين الدول مترابطة وتشمل نواحي كثيرة يجب الاهتمام بها والتقييم الدقيق لمجمل حسابات أرباحها وخسائرها قبل وأثناء تطبيق الإجراء. فلا شك بأن أي إجراء يتخذ على المستوى الوطني في أي مجال من المجالات لأية دولة من الدول ينعكس بالسلب أو بالإيجاب على كافة الأطراف ذات العلاقة بما فيها الدول التي تتعامل مع الدولة محل الإجراء في المجال الذي يتأثر به. وهذه الجزئية من التأثير الذي يتعدى الحدود الوطنية إلى أطراف دولية أخرى هي ما يعرف ب(البعد السياسي). لذلك لا بد من أخذ هذا البعد في الحسبان عند استحداث تشريعات جديدة أو تطبيق إجراءات لتغيير وضع قائم له تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة خارج الحدود. وصحيح أن لكل دولة سيادة، وما تعتمده في أراضيها أمر سيادي خاص بها وخاضع لأنظمتها وقوانينها المحلية، ولكن تضرر أطراف دولية أخرى قد يؤدي إلى تأثيرات متبادلة وربما إلى نتائج لا تحمد عقباها. ولقد حمل تنظيم (السعودة) الجديد المعروف بمسمى (نطاقات) بعدا سياسيا خطيرا يتمثل في انعكاساته على مستقبل العمالة المغتربة في البلاد، ولا نعلم إلى أي مدى يمكن أن تؤثر تلك الانعكاسات على علاقاتنا مع دول تربطنا بها علاقات تميزت بالودية والتعاون على مدى عقود من الزمان، خاصة إذا ما لجأت تلك الدول إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. فعلى سبيل المثال تم إصدار قرار مباشر بمنع استقدام العمالة الإندونيسية والفلبينية للعمل في خدمة المنازل في المملكة، رغم أن هذه الفئة من العاملين لم تدرج أصلا ضمن أي نطاق من نطاقات وزارة العمل الملونة ودون تمهيد أو إعلان لمبررات مقبولة أو منع لمثل هذه العمالة من دول أخرى ما يعني بُعد هذا القرار تماما عن جهود السعودة، بل إنه يخدم أغراض إحلال عمالة مغتربة من دول لم يشملها المنع بدلا من العمالة التي يمكن أن تستقدم من دول المنع. ومثل هذا الإجراء قد تكون له ردود أفعال سلبية كبيرة على علاقة المملكة بالدول المتأثرة، خاصة إذا ما قررت الأطراف الأخرى اللجوء إلى إجراءات انتقامية بتقنين أو منع فئات العمالة الأخرى خاصة منها المهنية وذات التأهيل التقني المتقدم من التوجه للمملكة. صحيح أن حظر استقدام العمالة المنزلية من الدول التي شملها له مبرراته المشروعة غير المعلنة. وصحيح أن تنظيم السعودة الجديد (نطاقات) يهدف إلى تحجيم البطالة وتوظيف أعداد هائلة من المواطنين العاطلين عن العمل الذين يزيد تعدادهم حسب بعض المصادر الرسمية على (500) ألف رجل وامرأة، ولكن هل تتفهم الدول الشقيقة والصديقة مثل هذه الإجراءات في سياقها المنطقي المنشود؟ وهل تبارك هذه الخطوات وتدعمها؟ أم أنها قد تلجأ لسلسلة مضادة من الإجراءات التي بدأت فعلا بالنسبة لإندونيسيا التي أقرت بدورها فرض حظر مضاد يبدأ سريانه من أغسطس القادم على إرسال العمالة بكافة أشكالها إلى المملكة، خاصة بعد إعدام مجرمة إندونيسية مدانة بجريمة قتل بشعة لمخدومتها السعودية. ورغم إقرار إندونيسيا بحق المملكة في فرض قوانينها ضمن سيادتها الإقليمية، خاصة أنها هي تتمسك بهذا الحق في مواجهة أستراليا التي ينتظر عدد من مواطنيها الإعدام في إندونيسيا لارتكابهم جرائم مشابهة، إلا أن هذه القناعة بحق المملكة المشروع لم تمنع الحكومة الإندونيسية من الإقدام على اتخاذ مثل هذا القرار العاطفي بحق المملكة. أما الفلبين فلم تلجأ لردود الأفعال العاطفية في مواجهة الإجراءات السعودية، بل آثرت أن تفتح قنوات اتصال وتفاوض مع السلطات السعودية في أولى خطواتها للتوصل لحلول عملية تخدم المصالح العليا للدولتين، خاصة أن الفلبين تتوقع تأثر 30% أو ما يصل إلى 360 ألفا من إجمالي عمالتها المغتربة في المملكة التي يقدر تعدادها ب(1.2) مليون نسمة. ويفاقم تباطؤ توظيف المواطنين الفلبينين في المملكة والخليج مشكلة التوظيف التي بدأت في التعاظم أمام الحكومة الفلبينية، فقد انخفض إجمالي التعاقدات السعودية (الجديدة) مع فلبينيين بمقدار 5.75% من 126.661 سنة 2009 إلى 119.379 سنة 2010، أما بالنسبة للإمارات فقد بلغ الانخفاض 8.95% و8.61 بالنسبة لقطر، و 11.34 بالنسبة للبحرين. ولا يقتصر تخوف الفلبين على التعاقدات الجديدة بل يشمل أيضا التعاقدات المجددة للعمالة الموجودة فعلا في المملكة التي تزايدت سنة 2010 عنها في 2009 بنسبة وصلت إلى 5.41% ويخشى عليها من التضاؤل في المستقبل بفعل إجراءات السعودة الجديدة. ولئن تعرفنا من خلال إندونيسيا والفلبين على بعض ما يمكن أن نواجهه من ردود أفعال تجاه إجراءات السعودة الجديدة، فهناك دول أخرى مهمة تعتمد على توظيف أعداد مهمة من عمالتها في المملكة ولم تصدر منها إشارات بعد لقياس ردود أفعالها في مقابل تقليص أعداد العاملين من مواطنيها في البلاد.. [email protected]