قبل أن أرسل نص المقال الأسبوعي إلى الجريدة، وقعت عيني على كتاب للأستاذ “نواف القديمي” الذي لا أعرفه شخصيًّا، ولم أقرأ له من قبل، وقد شدّني عنوان الكتاب: “المحافظون والإصلاحيون في الحالة الإسلامية السعودية”، ولأن هذا الموضوع يشغلني منذ أن كنت أعمل في منصب المندوب الدائم للمملكة في مدينة مونتريال بكندا، حيث كنت أواجه بسيل لا يتوقف من الأسئلة -من زملائي في مجلس المنظمة وعددهم ستة وثلاثون سفيرًا، بالإضافة إلى سفراء الدول الأخرى خارج المجلس- عن الموضوع نفسه الذي يتحدث عنه هذا الكتاب، وقد كنت أتابع وأطالع اجتهادات عديدة أهمها ما ينشر في الصحف المحلية وتتلقفه أجهزة الإعلام الغربي بالحذف والإضافة، حسب توجهات المحللين، والمطبوعة، أو القنوات التي ينشر فيها. وقد وصل اهتمام العالم بما يحدث في الجزيرة العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، ذروته أيام غزو الكويت عندما تجمهرت أجهزة الإعلام العالمية بشكل غير مسبوق في المنطقة لمتابعة الأحداث، وقد شكّل ذلك انفتاحًا إعلاميًّا مذهلاً بالنسبة للمراقبين في الغرب، وكأنهم يكتشفون الجزيرة العربية، وأرض الحرمين الشريفين لأول مرة في التاريخ. وكما جرت العادة عندما أنظر إلى أي كتاب أبدأ بقراءة الملخص على الغلاف الذي عادة ما يكون مقتطفًا من المقدمة، أو تعليقًا للناشر لتسويق الكتاب ولدار النشر. والذي شجعني أكثر أنه صدر عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء - المغرب. وبعد وقفة تأمل للكتاب، وما يدور على الساحة من مساجلات في الصحافة المحلية وأجهزة الإعلام المحلية والأجنبية حول موضوع الإصلاح والتحوّلات التي يمر بها العالم العربي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة، اخترت أن يكون المقال حول هذا الموضوع، وأن اقتبس النص التالي من الكتاب كما هو، لقناعتي بأهميته: * (أعتقد أن أمام “الإسلاميين الإصلاحيين” دورًا تاريخيًّا وشرعيًّا وأخلاقيًّا في ضبط توازن الحالة الإسلامية، والوقوف في وجه الغلو بنفس الحزم الذي يرفضون فيه تغريب المجتمع وانحلاله وسيولة مبادئه وقيمه.. فضبط إيقاع التوازن، والرّشد، وعدم الانجراف نحو اليمين أو اليسار تحت صخب المعارك وضجيج المُشاحنات، وعدم فقدان بوصلة الحق والعدل واستشراف مصلحة الأمة وفق مُعطيات الواقع ووفق المُمكن والمُتاح، وعدم التيه في مسارب المسائل الصغيرة، وإهدار قضايا الأمة حول الحقوق والعدل والشورى، ووقف هدر المال العام، هو الدور التاريخي الذي يجب أن يُحافظ عليه الإسلاميون الاصطلاحيّون. نحن في سكوتنا عن الأخطاء، نُقدِّم مَقتلنا على وِسادة ناعمة للخصوم.. كي نُثبت صحة دعواهم أن الإسلاميين هم (منظومة) خارج التاريخ، وغير قابلة للتطور إلاّ بعصا السُلطان!، وأن بابها المُوصِل إلى الانفتاح والتسامح والتحضّر موصد دائمًا.. وأن بابها المُوصِل إلى الغلو والتشدد والعنف مُشرع على مصراعيه.. هذا بالضبط ما يتمناه الخصوم.. وهذا بالضبط ما يُقدمه لهم بعض الإسلاميين على طبق من ذهب)! والمتمعن في الخطوات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين من الإصلاحات الداخلية، والانفتاح، والتخاطب، مع الآخر في الخارج، يرى أنه استهدف التصدي لآثار ما يُحذِّر منه الأستاذ القديمي حسب النص الوارد أعلاه، ورغم ذلك فإننا كمجتمع لازلنا في حيرة من موقفنا حول مشاركة المرأة في مجلس الشورى، والانتخابات البلدية، ومشاركتها في النوادي الأدبية، وكأنها كائن مقدس خارج هذا الكون وتفاعلاته، أو مخلوق شيطاني، لا يؤتمن على التعامل في المجتمع بدون الولوج في الدنس -حاشا لله- الذي يجره إليه شيطان الرجل! كما يراه ذلك الواعظ الذي يُحذِّر البنات من آبائهن! كم نحن حقًّا بحاجة إلى قراءة الواقع في سياق العصر وليس خارج التاريخ كما يريد لنا أعداء الإسلام والمسلمين، وأن نكون متفائلين بأن الغد يعدنا بالأفضل، وخلاف ذلك فإننا نقع في الخطيئة، ونثبت دعوى أعداءنا فيما يصمونا به، كما ورد في كتاب الأستاذ الفاضل نواف القديمي. [email protected]