شكك الكاتب والباحث يوسف الديني في وجود مشروع تنويري إسلامي في السعودية لديه رؤية صلبة تجاه القضايا الأساسية، ويحمل نظرية معرفية مستقلة محددة الملامح، وقال إن "تيار التنوير لا يزال يعاني من ارتباك في المشروعية وهذا شيء طبيعي إذا ما أخذنا في الاعتبار أن السياق الزمني لتحول الأفكار من شكلها الأولي الانطباعي إلى مشروع وخطاب فضلاً عن نظرية معرفة يأخذ وقتاً زمنياً طويلاً". الديني حاول في حديثه إلى "الوطن" أن يستكشف الخطوط الأولية التي أسهمت في تكوين فكرة التنوير عبر دراسته الصادرة عن مركز مسبار للدراسات والبحوث بعنوان "التنوير الإسلامي في السعودية، سجال السقوف المنخفضة"، ونشرت ضمن كتاب "الإسلاميون في الخليج – القضايا" الصادر في سبتمبر الماضي، وأكد أن مفهوم "التنوير" في السياق السعودي لم يطرح بشكل إيجابي إلا في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، عبر مجموعة من الشباب المتحوّلين عن الخطاب الإسلامي على اختلاف تنويعاته وفروعه. وقال: إن سياق التنوير السعودي لا يتصل من قريب أو بعيد بالأفكار التي تم طرحها في التنوير الغربي إلا على سبيل الاستئناس والقراءة المستكشفة. واعتبر أن رفع الإسلاميين السعوديين لمصطلح "التنوير" كان مجرد اجترار للمصطلح للخروج من احتكار وتكريس مصطلحات شرعية. ويرى الديني أن ثمة اتجاهات متعددة لقراءة ظاهرة التنويرالإسلامي في السعودية، ولخّصها الديني بأربع فقرات وهي: إما أنها ردة فعل للحالة التي وصلتها الحركة الإسلامية من ارتباك، وفقدان للرؤية والهوية، أو محاولة لنقد السلفية من داخلها، واستخدام أدواتها في تمرير أفكار أكثر انفتاحاً، أو أن التنوير سياق طبيعي نظراً للتطورات الدولية، لكنه يمر بأزمة تشكل، أو أن التنوير هو حالة ذات جذور تاريخية لها عمقها وامتدادها في الوسط الإسلامي. ويؤكد الديني أن التنويريين في السعودية يصفون دعوتهم بأنها ذات جذور تاريخية وأنها الامتداد الطبيعي للفكر الديني. واستعرض الديني في دراسته نقولات وأفكار لمجموعة من الباحثين الإسلاميين الذين وصفهم بأنهم أصبحوا رموزاً للتنوير في السعودية، من بينهم عبدالعزيز القاسم، والدكتور سليمان الضحيان، والدكتور محمد الأحمري. كما تساءل الباحث عن سياقات التجديد التي جاءت بها ظاهرة التنويريين الإسلاميين في السعودية، وبعد عرضه الأفكار التي يطرحها دعاة التنوير الإسلامي الجدد، وأبرزها يتصل بمواءمة مصطلحات سياسية مع التصور الإسلامي، كالديمقراطية وآليات الانتخاب ،أو حق الحريات العام، أو بملفات وقضايا فقهية كالحجاب والموقف من الموسيقى وحقوق المرأة،أو يتصل بمسائل الهوية كمخالفة الرأي السائد فيما يتصل بالمظهر ك"اللحية"، تساءلت الدراسة هل يمكن أن يقودنا ذلك إلى رؤية فكرية خاصة يمكن الاصطلاح عليها بالتنوير أو التجديد؟ ونفى الديني وجود منظومة معرفية جاء بها التنويريون الإسلاميون في السعودية، وأوضح أن كل أطروحات ما يسمى بالتنوير الإسلامي هو تناولٌ لمفردات وقضايا جزئية أكثر من كونه تأصيلاً لمنظومة معرفية؛ ومع كل الأثر المدوي لتلك الطروحات التجزيئية فإنها لا تخرج في غالبها عن اجتهادات مسبوقة لعلماء وفقهاء معاصرين من الأزهر أو لمفكرين إسلاميين، بل كثير منها يقف عند أطروحات متجاوَزة لشخصيات من الوسط الإسلامي ذاته كالقرضاوي على سبيل المثال. وختم الديني دراسته بعرضه للمعضلة التي يعاني منها تيار التنوير الإسلامي في السعودية، وهي أنه لا يزال يعاني من معضلة انتزاع الشرعية، بحكم الهجمات القاسية التي تعرض لها من تيار الإسلام السياسي ومن السلفيين. وعرضت الدراسة ملاحظات وصفها الكاتب ب"الجوهرية" على ظاهرة التنوير الإسلامي في السعودية، واعتبر أولاها حالة الصراع على "أبوية" التنوير الإسلامي في السعودية؛ التي يمكن القول إنها تحولت إلى مكتسب معنوي يتقاتل عليه التنويريون وخصومهم، وانشغل عشرات من أفراد التيار بالصراع على مكتسب "أبوية" التيار أكثر من تأسيس نظرية متماسكة لأفكاره. ويرى الديني أن المشكلة تبدأ ولا تنتهي عند حدود المصطلح وحمولاته الفكرية وتطبيقاتها على المشهد السعودي، إضافة إلى البحث عن سؤال جوهري يتصل بحقيقة وجود رؤية فكرية متماسكة للتنوير، كما يطرحه دعاته يمكن أن تكون مستقلة عن كل الأفكار المخالفة للسائد السلفي التي لم تخل منها مرحلة زمنية منذ بدايات الحالة الإسلامية في السعودية. وعن مستقبل التيار في السعودية، قال الباحث إن ما يطرحه التنويريون الإسلاميون من اجتهادات هي أساساً مسبوقة، لا تشفع له كثيراً للبقاء كتيار فاعل، ما لم يكسر حاجز الخوف والتردد اللَّذين يحولانه بفعل الزمن إلى تيار متكلس، يردد شعارات بعناوين حالمة، دون أن ينعكس ذلك على المشهد الفكري المتغير باطراد. وفي إجابته عن سؤال "الوطن" عن سبب تراجع بعض التنويرين عن استكمال مشروعهم، قال الديني: إن نكوص بعض الرموز التنويرية جاء بسبب ضيقهم بحالة الارتباك التي أثرت على الخطاب وجعلته لا يكاد يتعدى مساجلة الخطاب السائد وتحوله مع الوقت إلى تقليدية محسنة لم تعد قادرة تماماً على المضي قدماً بأسئلة المرحلة، من جهة أخرى هناك شخصيات أخرى انطلقت في ذات الوقت لم تصنف كشخصيات تنويرية قدمت مساهمات عميقة لم تأخذ صداها في المشهد بسبب غفلة الخطاب المضاد عن الانقضاض عليها سجالاً ونقداً وبالتالي تشهيراً. وعن العلاقة بين ما يسمى "التيار التنويري" والحركة الإسلامية، أكد الديني أنها ليست علاقة تبادلية يؤدي ضمور أحدهما إلى حضور الآخر لاسيما بعد أن تحول تركيز الصحوة على المحافظة على مكتسبات الثمانينيات والتسعينيات عبر بوابة السجال ومقارعة الخصوم نظرياً دون أن يكون لها "قول جديد" كما يقول المتكلمون عادة فيما يخص القضايا السياسية والاجتماعية المستجدة.