يعتبر الجاحظ أول من اهتم بموضوع المجاز، وتحدث عنه، وضرب الأمثلة في الشعر له، وقد عرفه بقوله «استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي»، ورد ابن قتيبة على من أنكر المجاز بقوله: «لو كان المجاز كذبًا لكان أكثر كلامنا باطلا»، والمجاز أبلغ من الحقيقة، ويقوم على وضع الكلام في غير موضعه، وله عدة أقسام تحدث عنها البلاغيون في كتبهم، وهذا النوع من القول فيه ارتفاع عن الكلام الذي يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية، الذي لا يحتمل إلا وجها واحدا، وغير قابل للتأويل، بينما المجاز فيه درجة من التفنن تجعل المتحدث فيه أرفع لغة وأجود بلاغة ممن سواه. يقول الشاعر غنيم العارض: انتخينا .. وكل جادع ثوبه محتسين الشجاعة .. بالخلا الخالي هذا البيت المصاغ بهذه الطريقة قد يمنح من يحبون الإطالة في الكلام، وهم المعروفون «بالحكواتية» أن الشاعر وجماعته في هذه المعركة «رامين ثيابهم» رغبة في التحدي، غير أن الكلام لا يمكن أخذه على الظاهر، ففي هذا البيت مجاز لغوي، ويكون المعنى بأن كل واحد من الفرسان «جادع عمره» في هذا الموقف، وهو يتوافق مع قول الفارس العربي القديم عنترة بن شداد العبسي: فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم فلا مكان قادرا على قتل الخصم إلا الموضع المؤثر كالقلب، وهذا ما قصده الشاعر، فلا يموت الإنسان من تمزيق الثياب. وهذا ما يمكن أن نفهمه من بيت غنيم العارضي، وهذا يعتبر من المجاز ، وهو استعمال المفردة في غير مكانها الحقيقي، وسر جمال المجاز أنه يثير النفس، ويجذب الانتباه، ويمنح الخيال فسحة في التفكير والتأمل.