يحدث أحيانا أن تصدر بعض الفتاوى الجديدة، التي يطلقها بعض المجتهدين من الفقهاء، حاملة حكما فقهيا مخالفا لما اعتاد عليه الناس في الفتاوى التقليدية، بهدف مراعاة التوفيق ما أمكن، بين التعليمات الدينية ومقتضيات العصر، من أجل تيسير ما يستنبط من الأحكام. لكن التقليديين الذين لا يقبلون بفكرة التجديد ومراعاة الزمن وتغير الظروف والبيئات عند استنباط الأحكام، يعارضون ذلك النوع من الفتاوى الجديدة، فيثورون على أصحابها ويدخلون معهم في جدل وقد يحتد الخلاف ليتحول إلى نوع من الصراع الممزوج بالتهكم والتندر والتعامل مع الفتاوى المختلفة باستخفاف بالغ ووصفها بالفتاوى العصرية، أو التنويرية، أو التجديدية، وقد يزيد معيار التندر فتوصف بالفتاوى الليبرالية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد يتجاوز الهجوم الفتاوى نفسها ليبلغ قائليها فيتعرضون للهجوم عليهم والتعريض بهم، وقد يبلغ الأمر حد المطالبة بمحاكمتهم وتكميم أفواههم، وربما رأى البعض استحقاقهم الجلد، أو على أضعف الإيمان نفيهم إلى سوق الخضار. الناس يناقضون أنفسهم فهم من جهة، يشتكون من قفل باب الاجتهاد ويرون أن ذلك أدى إلى تعطيل سير الحياة المواكب لمستجدات العصر وأن فقهاء هذا الزمان وعلماءه، ركنوا إلى الراحة والاكتفاء بالاتباع والتقليد، فأساءوا بجمودهم وتقصيرهم إلى دينهم وأمتهم. ومن جهة أخرى، تجد الناس ما إن تلوح أمامهم أطياف فتوى جديدة متجردة من التقليد والاتباع مبنية على رؤيا مختلفة، حتى يصابوا بصدمة تهزهم ويعتريهم الدوار فيشعرون باختلال التوازن وعدم القدرة على الوقوف باستقامة أمام تلك الفتوى الجديدة المرفرفة في سماء عالمهم. فالناس، حسب ما يظهر، بعد أن عاشوا قرونا طويلة معتادين على الجمود والاتباع وترديد ما قيل، سواء في الحكم الفقهي نفسه، أو في الحجج التي تساق لتبريره، حتى وإن لم تعد حججا مقبولة في هذا العصر، باتوا لا قدرة لهم على تحمل الانتقال المفاجئ إلى التفكير باستقلالية بعيدا عن المؤثرات القديمة!! وغني عن القول، إن الاختلاف في الأمور الفقهية لا يحدث في الأمور الواضحة البينة، وإنما هو غالبا يقع في أمور مبهمة تحكمها احتمالات اجتهادية متعددة، واختلاف الفتوى حولها، طالما أنه لا يوجد نص صريح يركن إليه بشأنها، يضحي من الاجتهاد الذي يتيح للناس مجالا أرحب يمكنهم من اختيار الأيسر والأنسب للزمان والمكان الذي يعيشون فيه، خاصة في هذه الأيام التي يعيش فيها كثير من المسلمين في دول محكومة بغير المسلمين ويجاورون أمما على غير دينهم فيضيق عليهم الأمر أحيانا، ويشعرون أنهم في بعض الأمور في حاجة إلى أحكام تراعي الظرف المعاصر ليتمكنوا من التعايش بسلام مع الآخر، وفي الوقت نفسه تطمئن قلوبهم إلى أنهم لم يخالفوا الدين ولم يرتكبوا إثما. فاكس 4555382-1