رغم الزخم الكبير الذي تحظى به السياحة الداخلية في السنوات الأخيرة، إلا أن الدعم الحكومي للقطاع لا يزال قاصرا ودون مستوى التطلعات، حتى أن البعض يصفه بالخجول. ويتجلى ذلك بوضوح تام في الإهمال الكبير الذي تعاني منه المرافق السياحية وفي ضعف التمويل والبنية التحتية، الأمر الذي يزيد من الصعوبات التي تواجه الكثيرين في الوصول إلى المرافق السياحية. ونلقي في الحلقة الثالثة الضوء على قضية الدعم الحكومي وتأثيره على السياحة الداخلية، حيث اتفقت غالبية الآراء على أن الارتقاء بالقطاع يصطدم بتوفير المال اللازم، وعلى ضرورة استئصال البيروقراطية التي تضرب القطاع في مقتل بسبب تأخير الإجراءات كالمعتاد. وأشار المستثمرون السياحيون والمختصون الذين التقتهم «عكاظ» إلى أنه رغم الدعوات الملحة للمستثمرين بضرورة إنشاء صندوق لدعم تمويل القطاع السياحي أسوة بالقطاعات الأخرى، فإن هذا المطلب يراوح مكانه منذ سنوات عدة، وكأن المستثمر السياحي هو الوحيد الذي يتمتع بملاءة مالية عالية ولهذا ليس هناك ضرورة لمساعدته. بداية، قال المستثمر في القطاع السياحي خالد العبود إن السياحة الداخلية تواجه عددا من التحديات على الصعيد الحكومي، من أبرزها ضعف الاهتمام بالمرافق السياحية من خلال تسويرها وإيصال الخدمات الأساسية إليها حتى يمكن الوصول إليها بسهولة ويسر. وذكر مثالا على ذلك آثار العلا التاريخية التي يصعب الوصول إليها رغم التأكيدات الحكومية على قرب إنشاء مطار العلا، وتهيئة الطريق المؤدي إلى هذه الآثار، مشيرا إلى أن هذه الحالة تنطبق أيضا على الكثير من الآثار في الأحساء والمنطقة الشرقية عموما، أما في المناطق السياحية الأخرى مثل كورنيش جدة على سبيل المثال فالخدمات الأساسية تكاد تكون معدومة وفي صدارتها المطاعم الجيدة ودورات المياه، رغم ما يتردد عن تطوير منطقة الكورنيش منذ سنوات. كما سمعنا عن مشاريع بالملايين لتطوير كورنيش جدة الجنوبي ولم نلمس شيئا حقيقيا على الأرض. تحدي الارتقاء وأوضح إن التحدي الرئيسي أمام الارتقاء بالسياحة هو ضعف وعي الكثيرين، لافتا إلى اعتراض القلة على الجهود التي بذلت لتطوير مكان موقعة أحد التاريخي، ما أدى إلى تعثر المشروع. ورأى أن تضافر جهود القطاعين العام والخاص يمكن أن يؤسس لصناعة قوية، منتقدا في ذات الوقت تعويل الكثيرين على الهيئة العليا للسياحة فقط، وهي جهة واحدة من عدة جهات حكومية ينبغي أن تكون غيورة على التنمية السياحية بصورة أكبر، مناشدا القطاع الخاص تغيير رؤيته وهدفه من النشاط السياحي، مشيرا إلى أن خفض الأسعار بمعدل 25 في المائة على الأقل من شأنه أن يحقق معدلات انتعاش جيدة طوال العام تقريبا بدلا من الشكاوى لاقتصار التشغيل على فترة محدودة فقط. محدودية الاستثمارات أرجع الخبير السياحي والإعلامي أحمد الشريدي عزوف المستثمرين عن الاستثمار السياحي إلى محدودية الموسم وعقبات التشغيل المختلفة. ودعا إلى تضافر الجهود من أجل إطلاق صندوق لتمويل الأنشطة السياحية، معتبرا هذه الخطوة محورية لتطوير القطاع الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة ليس على الشواطىء فقط، بل في المواقع الأثرية والتاريخية أيضا. وأوضح أن السياحة صناعة متكاملة ينبغي الاهتمام بها كعنصر واحد. ورأى أن التحدي الرئيسي في النهوض بالسياحة الوطنية في المرحلة المقبلة يكمن في تطوير مشروع الواجهات البحرية الذي يتعثر منذ أكثر من 10 سنوات، مشيرا إلى أن مشروعا من هذا النوع يحتاج إلى مليارات الريالات حتى يخرج متكاملا. وطالب بضرورة تشجيع الاستثمارات الوطنية على التوجه إلى مجال السياحية الذي يحقق معدلات أداء جيدة في ظل توجه الكثير من الأسر لاعتبار السياحة ضرورة حياتية وليست ترفا. ووصف الجهود المطلوبة بالكبيرة وفي صدارتها تهيئة شبكة الطرق ودعم قطاع الإسكان الذي يعاني من إشكاليات عديدة بعد إقرار نظام التسعير وعدم مواكبة الكثير من المنشآت لضوابط التشغيل. وأقر بوجود بعض المغالاة في أسعار الخدمات السياحية، لكنه أشار إلى أن ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع يعد أحد العوامل الرئيسية لرفع معدلات العرض لتنخفض الأسعار تدريجيا وفقا لقواعد السوق. وأشار إلى أن القطاع أمامه تحديات صعبة أبرز معالمها تحقيق المعادلة المهمة التي تقوم على توفير خدمة جيدة بسعر معقول. ورأى أن تحرير قطاع السياحة من أوجاعه مرهون بالإرادة المجتمعية والرغبة في أن تصبح المملكة مصدر جذب سياحي في ظل ما تتمتع به من إمكانات كبيرة لم يستغل نصفها على أقصى تقدير. ضعف الرقابة من جانبه، استغرب رجل الأعمال الدكتور أسامة الغزاوي بقاء كورنيش جدة في قبضة العمالة الوافدة وأصحاب الدبابات رغم تأكيدات الأمانة على منع وجود هؤلاء حفاظا على سلامة المصطافين على الكورنيش. وأرجع عودة هؤلاء المخالفين سريعا إلى مواقعهم إلى ضعف الدور الرقابي، وكذلك غياب الاهتمام بالنظافة على ما تبقى من الشاطئ الذي استولى عليه بعض المستثمرين ما أدى إلى حجب البحر عن الفقراء. ورأى أن الجهات الحكومية ليس لديها القناعة الكافية بأهمية دعم القطاع السياحي رغم البهرجة الإعلامية الكبيرة التي تواكب انطلاق المهرجانات السياحية سنويا، مشيرا إلى أن موسم السياحة الصيفي غالبا ما يواكبه انقطاع في التيار الكهربائي والمياه ما يؤثر على الحالة المزاجية للسائح. وقال إن هناك تباطؤا ملحوظا في تزويد المواقع السياحية بالخدمات مع الاهتمام بالمتاحف الأثرية وإطلاق حملة لتعريف طلاب المدارس بآثارنا الوطنية. وأعرب عن استيائه الشديد لتغييب سياحة التاريخ والآثار من أجندة السائحين رغم أهميتها الكبيرة، مستغربا في السياق ذاته اكتفاء الهيئة العليا للسياحة بوضع بعض اللوحات للتعريف ببعض المواقع الأثرية دون الاهتمام بترميها وكأنها بذلك قد برأت ذمتها من المسؤولية. صعوبات متعددة من جهته، قال مدير مرسى الأحلام السياحي أحمد بن علي الشهيب إن القطاع السياحي يعاني من إشكاليات متعددة تحتاج إلى دعم حكومي فاعل حتى يمكن تجاوزها قريبا، مشيرا إلى أن في صدارة هذه التحديات صعوبات التمويل لعدم إنشاء صندوق لتمويل المشاريع السياحية ذات التكلفة المالية المرتفعة وذلك أسوة بالمشاريع الصناعية والزراعية التي تحظى بدعم كبير يتمثل في القروض الميسرة والأراضي. وطالب بضرورة زيادة فترة استثمار الأراضي في المشاريع السياحية لتصل إلى 50 عاما بدلا من 20 فقط، مشيرا إلى أن ذلك يشجع المستثمر على ضخ استثمارات كافية في المشروع طالما ضمن البقاء في استثمار الأرض لمدة طويلة. ودعا إلى إعادة النظر في أسعار المياه والكهرباء بالنسبة للمستثمرين، وكذلك مراعاتهم في الإعفاءات الجمركية والإجراءات الحكومية التي تطول، خاصة عند الحصول على التصاريح اللازمة للمشاريع، مشيرا إلى أن فواتير الكهرباء والمياه تلتهم 35 في المائة تقريبا من الإيرادات. فك أزمة التمويل أما المستثمر حامد الخطيب فدعا إلى ضرورة تنفيذ قرار مجلس الوزراء الداعي إلى إيجاد صيغ ملائمة لمشاركة صناديق الإقراض الحكومية في تمويل المشاريع السياحية وتأسيس شركات للتنمية السياحية تشارك الدولة في رأسمالها. ولفت إلى أن المملكة تضم آثارا تاريخية فريدة، لكن المخاوف من التأثير على العقيدة عرقلت الترويج لهذه المواقع لضمان استثمارها بشكل جيد. وأوضح أن غياب الكوادر المؤهلة في المواقع السياحية يؤثر على الانتعاش السياحي المطلوب، متسائلا عن مخرجات الكثير من المعاهد والكليات السياحية التي أنشئت لدعم القطاع بإمكانات بشرية مدربة قادرة على العطاء واحترام السائح حتى يفكر في القدوم مرة أخرى. أهمية التسوق وشدد على أهمية التسويق الجيد للمرافق السياحية السعودية الداخلية. وقال إن مختلف العواصم الآسيوية والأوروبية أطلقت حملات ترويجية في المملكة لجذب السياح السعوديين لزيارتها، متسائلا: ماذا فعلنا نحن لسياحتنا الداخلية؟. واستغرب وجهة نظر الهيئة العامة للسياحة التي ترى أن الأولوية يجب أن تكون للسائح الداخلي فقط، مشيرا إلى أهمية التسويق الجيد والفعال من أجل الارتقاء بالسياحة الوطنية، وسأل عن حجم الاهتمام الذي توليه الدولة بآثار تاريخية عالية القيمة مثل مدائن صالح والعلا والأخدود، مشيرا إلى أن أهم أحداث التاريخ العربي والإنساني بزغت من بلادنا مهبط الدين الحنيف. ورأى أن موسمي الحج والعمرة يمثلان فرصة مناسبة لتنظيم رحلات للزوار للاطلاع على الآثار التاريخية في بلادنا، منوها بالاهتمام الذي حظي به موقع سوق عكاظ التاريخي مؤخرا بإشراف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة. واستنكر المحاولات المستميتة لبعض المتشددين لإزالة قبر وقصر حاتم الطائي في قرية توران في حائل، محذرا من محاولات البعض ودعواتهم لإزالة مسجد البيعة بمشعر منى ومقبرة البقيع في المدينة وشاهد جبل الرحمة في عرفات حيث وقف الرسول صلى الله عليه وسلم. مبالغات في الأسعار من جهته، دعا رجل الأعمال علي سفر الغامدي إلى إعادة النظر في القطاع السياحي وتحويله من مجرد نشاط ترفيهي إلى قطاع اقتصادي فاعل يسهم في التنمية الاقتصادية وتوفير الوظائف بمعدلات تفوق القطاعات الأخرى. وأوضح أن القطاع الخاص لا ينبغي أن يركز فقط على ربحيته من النشاط السياحي، منتقدا المبالغات الكبيرة في أسعار الأطعمة والمشروبات في المرافق السياحية المختلفة مقارنة بعواصم عالمية مثل باريس ولندن. وتساءل هل يعقل أن يصل سعر الليلة في شاليه متواضع للغاية أكثر من ألف ريال؟ مستغربا في نفس الوقت من عدم دعم السياحة، واصفا ذلك بأنه من الخطوات التي تدعو إلى التنفير من السياحة الداخلية.