يجد في اجتماعهم في روضة من رياض السمر سلوة من هموم الحياة. إنهم رفقة صلحاء يجتمعون في وسط كل أسبوع أو آخره في استراحة لأحدهم، لكنه يمقت منهم إسفافهم في نظرهم بذكر ملح وطرف تترى يتنافسون في إتحاف السمار بها، جادلهم ناظرهم قاطع ناديهم ولا جدوى، إنهم مصرون على تزيين مجلسهم بالطرائف وبما يرى أنه حديث لا يليق بأهل الفضل الخوض في غمراته. وفي إحدى الأمسيات جثم الهم على صدره، فكر أن يطرق أصحابه ويشاطرهم سمرهم لكنه تذكر مسلكهم فأعرض عن الركون إلى مجلسهم، وبينما هو مكب على وجهه في دهاليس الغم إذ بهاتفه يشعره باتصال أصحابه، قال مجيبا بعنف لا لن أزوركم فقال المتصل على رسلك إن لك عندنا بشارة إنه سيزورنا الشيخ فلان «أحد علماء ذلك البلد» وبعد توثقه من صحة الخبر سارع، وكم سر قلبه حينما أبصر العالم في وسط رفقته باسما. وبعد جلوسه بدقائق بدأ العالم في مداعبة الأصحاب وكأن بينه وبينهم صحبة قديمة، وأعجب من ذلك أن السمار يذكرون للشيخ العالم طرفا وهو لا ينكر بل يضحك، وأدهى من ذلك وأمر في نظر الرجل أن العالم يذكر طرفا من قبيل ما يذكر الزملاء، لقد كان صاحبنا يرى هذا العالم في الدرس في المسجد وفي خطبة الجمع وفي المحاضرة بل وعلى شاشة التلفاز خاشعا بل رآه مرارا يبكي من التأثر بالقرآن والسنة وأخبار سلف الأمة. لم يصبر صاحبنا كثيرا فسأل الشيخ العالم هل يجوز مثل هذا المرح يا شيخ فأجاب العالم بأشبه بمحاضرة لطيفة ذكر فيها حقيقة اللهو المباح وأحكام المزاح وسرد أخبار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه مستدلا بها على ما ذكر، وأوصى العالم صاحبنا بسلوك سبيل الوسطية. خرج صاحبنا وهو وقد تنازعه خاطران خاطر لوم لما شدد به على نفسه وأهله ومن حوله بما أرشده إليه فهمه الخاطئ للدين من قبل، وخاطر النظر بعين ضرورة لترويح عن النفس. أحبتي القراء إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على مجالسة رسول الله ويجدون في مجلسه كل الطمأنينة والخشوع وكمال ذكر الآخرة فإذا انصرفوا من عنده ومازحوا الأهلين والذرية أحسوا بتغير يسير في أحوال قلوبهم من حيث ذكر الآخرة فشكوا ذلك لرسول الله فجاءت البشارة من رسول الله لجميع الأمة فقد روى مسلم والترمذي والإمام أحمد في مسنده واللفظ له عن حنظلة التميمي الأسيدي الكاتب قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأي عين فأتيت أهلي وولدي فضحكت ولعبت وذكرت الذي كنا فيه فخرجت فلقيت أبا بكر فقلت: نافقت نافقت. فقال: إنا لنفعله. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: يا حنظلة لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم أو في طرقكم، أو كلمة نحو هذا هكذا قال وهو يعني سفيان. يا حنظلة ساعة وساعة. قلت وقد استنبط العلماء من هذا الحديث فوائد كثيرة منها: 1 أنه ينبغي الترويح عن النفس بما هو مباح من دعابة وطرف وملح إذا كان ذلك في حدود ما أجازه الشارع.. 2 سماحة الإسلام ويسره ومراعاته لأحوال النفوس. 3 أن الترويح المباح يجدد رغبة المسلم في المسابقة في الخيرات. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق. [email protected]